طباعة اضافة للمفضلة
رسالة إلى جار المسجد
1498 زائر
16-09-2017
كتبه د. أحمد القاضي

رسالة إلى جار المسجد

كتبه د. أحمد القاضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي العزيز ..... وجاري الكريم حفظه الله ورعاه.

السلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فقد تساءلت كثيراً ماذا عساي أن أفعل تجاه أمر خطير حز ّ في نفسي كما حز في نفوس كثير من جيرانك ومحبيك!! ألا وهو : تخلفك عن صلاة الجماعة في المسجد.

فلم أجد بداً من أن أمسك القلم وأخط لك هذه السطور بدافع المحبة لك والشفقة عليك من عذاب الله وقياماً بحقك : حق الأخوة الإيمانية – إنما المؤمنون أخوة- وحق الجوار.

هذا ويعلم الله أني قد نصبت أمام عيني كافة المعاذير الممكنة واجتهدت أن أحملك على أحسن المحامل وقلت عسى...ولعل...

لكن ذلك كله لم يكن كافياً لإسقاط هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة التي جمل الله بها المؤمنين ونظمهم في سلكها خمس مرات في اليوم والليلة- صلاة الجماعة- حتى لكأنهم أسرة واحدة يتفقد كبيرهم صغيرهم و يسأل حاضرهم عن غائبهم ويعود صحيحهم مريضهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين كفي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى) رواه مسلم.

وتساءلت ما الذي يجعل من في عقلك وقدرك يزهد في صلاة الجماعة مع ما فيها من المصالح الدينية والاجتماعية . فوجدت الجواب ينحصر في أمرين: إما شك في وجوبها، وإما تهاون في ذلك مع الإقرار بوجوب صلاة الجماعة...

فإن كان المانع لك الأول فاعلم يا أخي أن النصوص قد تضافرت من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين على وجوب صلاة الجماعة بحيث لا تبقى مجالاً للشك والارتياب : تأمل يا أخي كيف أوجب الله الصلاة جماعة في أحرج ساعات الضيق وذلك حال الحرب ومواجهة العدو فقال تعالى: ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ) [النساء:120]

فإذا كان هذا حال الحرب فكيف بحال السلم والأمان والطمأنينة.

وانظر يا أخي في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) [البقرة:43]، فأمر بإقامتها في أول الآية وختم بالأمر بمشاركة المصلين في صلاتهم ، وهي الجماعة.

أما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالأحاديث كثيرة وصحيحه اقتطف منها:

ما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ) رواه مسلم.

ولاحظ يا أخي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل في حق هؤلاء المتخلفين أنهم لا يصلون بل قال لا يحضرون لأدائها في المسجد. وإن كانوا يصلونها في بيوتهم.

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود t قال: ( لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةِ )، وَقَالَ: ( إِنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنَ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ) .

ومن أصرح الادلة على وجوب صلاة الجماعة ما جاء في صحيح مسلم أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ ( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( فَأَجِبْ ) .

وعموماً فإن الأدلة على وجوب صلاة الجماعة كثيرة جداً حتى لقد ذهب بعض أهل العلم إل أن الجماعة شرط في صحة الصلاة وأن من صلى منفرداً بغير عذر فصلاته باطلة.

أما إن كان المانع يا أخي من صلاة الجماعة التهاون والتسويف والتعلل بأدنى وأوهى الأسباب . فاعلم يا أخي أن العمر قصير وأن الموت غاية كل حي طال الزمن أو قصر ولا أظن أنه يسرك أن يفاجئك الموت وأنت مصر على معصية الله... فاحتط لنفسك واعلم بأنك بمرأىً من الله ومسمع.

اعلم أن الله الذي وهبك السمع الذي تسمع به: حي على الصلاة ، حي على الفلاح قادر على سلبك إياه فتعيش في دياجير الصمت والصمم.

واعلم أن الله الذي أعطك البصر الذي ترى به طريقك إلى المسجد قادر على سلبك إياه فتعيش تتخبط في العمى والظلمات.

واعلم أن الله الذي وهبك الصحة والعافية والفتوة والنشاط قادر على أن يجعلك طريح الفراش لا تبدئ ولا تعيد.

واعلم أن الله الذي أعطاك الفراغ وراحة البال قادر على أن يقيض لك ما يشغل بالك ويبتيلك بالهم والغم.

وفوق ذلك كله : اعلم أن الله الذي من عليك بالإيمان وأحياك فوق أرض الإسلام قادر على أن يطمس قلبك ويضلك فتكون من أصحاب النار. أعاذك الله من ذلك كله.

فالله .. الله في نفسك يا أخي... واطرح جميع الوساوس الشيطانية وأقبل على ربك بقلب سليم تجد الله غفوراً رحيماً ودوداً لطيفاً يصلح لك دينك ودنياك . قال تعالى

) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل: 97].

وفقك الله لكل خير وحفظك في نفسك وأهلك من كل سوء

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

كتبه د.أحمد بن عبدالرحمن القاضي

   طباعة 
1 صوت
رسالة , جار , إلى , المسجد
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي