طباعة اضافة للمفضلة
التربية الإيمانية للمراهق حق للأبناء ومسؤولية على الآباء
8854 زائر
25-02-2014
إعداد : إلهام بنت يوسف الملا

التربية الإيمانية للمراهق

حق للأبناء ومسؤولية على الآباء

إعداد : إلهام بنت يوسف الملا

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة وهدى للعالمين، وعلى آله الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد:

لا شك أن تربية الأبناء تحظى بمزيد عناية في السنوات الأخيرة، ولكن هذه العناية ظلت محصورة في جوانب ليست هي المهمة بالدرجة الأولى، فلا يختلف اثنان أن أكثر الناس يقلقون بشأن إخفاق أبنائهم الدراسي أكثر من إخفاقهم في موقف إيماني، ويسعون لتكميل نواقصهم الدنيوية وحاجاتهم الشكلية وإظهارهم بصورة تمكنهم من مواكبة العصر أكثر من اهتمامهم بتكميل نواقصهم الشخصية والأخلاقية وتقوية علاقتهم بربهم، فقل من يراعي في إصلاحه لأبنائه جانب العبودية، أو يدرك تمام الإدراك أن أداءه لحقوق أبنائه هو في الحقيقة أداء لحق الله تعالى عليه، وأن ما يقدمه لهم مطلب شرعي يثاب عليه ويؤثم على التقصير فيه، وهو مسؤول أمام الله عز وجل عن هؤلاء الأبناء يوم القيامة، وفي الحقيقة إن تكميل الجانب الإيماني هو أساس كل كمال ونجاح دنيوي، ولا قيمة لأي نجاح ينشده الآباء بدونه.

ولعل الكثير من الآباء والأمهات ينقصهم الوعي بأهمية الجانب الإيماني في حياتهم هم أولًا، ويغيب عنهم حجم النجاح الذي يكفله لهم ولأبنائهم إن هم نشؤوا على عقيدة راسخة وإيمان صلب يربطهم بالله تعالى، فالإيمان القوي بالله سيكون سببًا في نجاتهم في دنياهم وآخرتهم وسيكونون الأكثر تأهيلًا لمواجهة ضغوط الحياة بكفاءة، والأكثر استعدادًا لرسالتهم أزواجًا وآباًء وأمهات .

ومن المؤلم أن ينشأ الشاب وتنشأ الشابة وهما لا يعرفان الكثير عن ربهم، وما يعرفانه لا يعرفانه معرفة عميقة تجعلهما يرجعان إليه في كبير مشاكلهما وصغيرها، ولا يملكان من الإيمان باليوم الآخر ما يجعلهما في استعداد مستمر ورقابة دائمة وخوف من الذنب أو مقاربته، ويجهلان أساسيات الإيمان بالقضاء والقدر مما يجعلهما ضجرين قلقين ساخطين في كل موقف وعلى كل من حولهما .

وإن كان هذا حالهما فكيف سيملكان عمارة الأرض، وكيف سيكونان ناجحين اجتماعيًا ومهنيًا، بل كيف سيكونان زوجين وأبوين مربيين يخرجان أبناءً أسوياءً وسعداءً ويكونان أسرًا سليمة !! والأصعب من كل هذا هو كيف حالهم في آخرتهم ؟؟!

إن تضييع حقوق الأبناء والتفريط فيها هو بداية الحكم عليهم بالفشل في حياتهم، هذا إن كانت الحقوق مادية وثانوية فكيف إن كانت تلك الحقوق المضيعة حقوق دينية وإيمانية تتمثل في حقهم في معرفة الله تعالى وحسن عبوديته ؟!

فإن وُفِقنا في أن ننشر الوعي بأهمية الإيمان في حياة الإنسان نفسه وأهمية تربيته لأبنائه التربية الإيمانية، وأنها أعظم حق لهم على آبائهم، وأنها هي التي ينبغي أن يبذل فيها الوسع وتستفرغ فيها الطاقة، وأنها ليست فضلًا منهم بل هي واجب عليهم يُسألون عنه ويحاسبون علية وربما عذبوا فيه، حينها نكون قد قدمنا الكثير في مجال إصلاح الأسرة ونجاحها وإصلاح المجتمع الإسلامي بأسره، فضلًا عن إصلاح الفرد ذاته .

فما هذه الورقات إلا مساهمة يسيرة لأجل بناء مجتمع إيماني قوي قادر على صناعة النجاح في شتى مجالات حياته، وكل فرد من هذا المجتمع هو لبنة أساس في بناء أسرة جديدة، والنجاح في إصلاح المجتمع الإسلامي يبدأ من هذه اللبنة .

الفصل الأول :

التربية الايمانية حق شرعي:

ليس تكميل الحقوق للأبناء وأداء الواجبات أمر فطري تفرضه محبة الوالدين لأبنائهم فحسب، أو شكلي يفرضه المجتمع المحيط بالأسرة، بل هو حق شرعي لله قبل أن يكون حقاً للأبناء، فهو يسألهم عنه يوم القيامة ويحاسبهم عليه، ودليل ذلك ما رواه عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله r قال: ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )[1]

(وقال ابن مسعود – t- : إن الله عز وجل سائل كل ذي رعية فيما استرعاه، أقام أمر الله فيهم أم أضاعه؟ حتى إن الرجل ليسأل عن أهل بيته)[2]

وهذه الرعاية التي فرضها الله على الآباء وسيسألهم عنها يوم القيامة تتمثل في أداء الحقوق والواجبات .

قال الخطابي – رحمه الله تعالى -: (ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم إيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة وتدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في ذلك)[3]

والأم والأب يكملان بعضهما بعضًا ومسؤولان بالدرجة الأولى عن تأدية حقوق الأبناء ورعايتهم وتدبير أمورهم وما تقوم به حياتهم من الرعاية والملبس والمأكل والمسكن، والأهم من هذا بكثير مسؤوليتهم بالدرجة الأولى عما تقوم به حياتهم الإيمانية والأخروية، فإنه لا صلاح لهم ولا فلاح ولا سعادة في الدارين إلا بغرس الإيمان في نفوسهم وتكميله وتقويته .

فالإيمان هو سلاح الأبناء ضد عدوهم وضد هوى النفس، وهو الدرع الحصين أمام فتن الشهوات والشبهات، ومسؤولية هذا تقع بالدرجة الأولى على الوالدين، فهما الأنضج والأعمق إيمانًا، وهما الذان يدركان بواقع خبرتهم حقيقة ما ينتظر أبنائهم من مواقف تتطلب منهم كمًا هائلاً من الإيمان والاستعانة والصبر والرضا وحسن التصرف . فغرس هذا في نفوس الأبناء وتغذيتهم به وتربيتهم عليه وإلزامهم إياه تدريجيًا هو أعظم حق ممكن أن يقدمه الآباء لأبنائهم في بداية حياتهم إلى أن يشتد عودهم ويتحملوا بأنفسهم مسؤولية إيمانهم، ثم يبقى بعد ذلك دور التربية والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسياسة الأبناء حبًا لهم وخوفًا عليهم ممتدًا امتداد تلك العلاقة القوية التي تربط بينهما، قوية قوة تلك اللحمة التي جمعتهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[4].

قال السعدي – رحمه الله تعالى -: (ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله امتثالاً ونهيه اجتنابًا والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل، والأولاد بتأديبهم وتعليمهم وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه وفيمن تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هم تحت ولايته وتصرفه )[5]

وقال ابن حجر - رحمه الله تعالى - : " وهو مسؤول عنهم لأنه أمر أن يحرص على وقايتهم من النار، وامتثال أوامر الله واجتناب مناهيه " [6]

وقال : " قال مجاهد : ( قوا أنفسكم وأهليكم ) أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدبوهم "[7]

فلا أعز على الإنسان من نفسه ولا أقرب له من أهله ، ولا سعادة تعدل سعادة نجاة الإنسان وأهله يوم القيامة .

قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [8]وفي المقابل فإن خسارتهم يوم القيامة تعد خسارة عظيمة قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[9] لذا فمن أولى أولويات الآباء في تربية الأبناء، وأوجب الواجبات في رعايتهم، وأحق الحقوق هو حقهم في البناء الإيماني الذي يؤهلهم لما ينتظرهم في دنياهم وآخرتهم .

ولا شك أن من كان في إيمانه أعمق كان في كل جوانب حياته أنجح، فلا أقل من أنه يعرف كيف يستعين بربه في جميع أموره، وهو الأكثر يقينًا حال استعانته، وإن كان يجهل طريق الوصول لما يريد فإنه يعلم كيف يسأل الله أن يعلمه ويهديه إلى سواء السبيل، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[10]

ومن وفقه الله لأداء هذا الحق لأبنائه حبًا لله وخوفًا منه فهو الذي قد أدى حق ربه وحق أبنائه على أكمل وجه، ومثله حري به أن يحسن على ذاك السؤال جوابًا .

الفصل الثاني: مفردات العنوان

( التربية الإيمانية للمراهق )

المبحث الأول:

1-معنى التربية:

التربية: أصلها من ربا: (ربا الشيء يربو وربوًا ورباءً: زاد ونما . وأربيته: نميته في التنزيل العزيز ويربي الصداقات)[11]

قال الجوهري: ربيته تربية وتربيته أي غذوته، قال هذا لكل ما ينمى كالولد والزرع ونحوه[12].

والتربية هي: تنمية الوظائف الجسدية والعقلية والخلقية كي تبلغ كمالها . وربى: نَّمى القوى الجسدية والعقلية والخلقية. وربى ولداً: أدب، هذب، علم[13]

وقال البيضاوي في تفسيره: الرب في الأصل، بمعنى التربية وهي: تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا . [14]

1- ماذا نعني بالتربية الإيمانية ؟

هي تربية من نوع خاص اقتصرت على الجانب الإيماني فحسب، وانحصرت في تقويته وتغذيته وتنميته، وإن كانت كل أنواع التربية من الأهمية بمكان إلا أن التربية الإيمانية هي الأهم كونها هي حق الله الأعظم وهي التي من أجلها خلقوا .

2- معنى الإيمان ؟

(من أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح. وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية)[15]

وبعض هذه الأعمال ظاهر كقول اللسان وأعمال الجوارح، وبعضها باطن كقول القلب وعمل القلب . وكلها بمجموعها تمثل الإيمان الكامل، ومن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء: ( أن الإيمان يزيد وينقص)، فما يقوم في قلوب العباد عن ربهم وعن نبيهم أو اليوم الآخر ليس بمستوى واحد في قلوب الناس، بل هو يختلف من شخص لآخر ؟ وقال r: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة . فأفضلها قول لا إله إلا الله . وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) [16]

فالإيمان شعب كلما استكمل المؤمن من شعبه أكثر كان إيمانه أكمل ، وهذه الشعب مختلفة فبعضها قلبية وبعضها عملية، وشعب ظاهرة وشعب باطنة .

والمؤمن كامل الإيمان هو من استكمل هذه الشعب وأخذ بيد أحب الناس إليه لاستكمالها وأعانهم عليها .

والمعني في هذه الوريقات هو الإيمان المذكور في حديث جبريل علية السلام حين سأل الرسول صلى الله علية وسلم عن الإيمان فأجابه r بقوله: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره .. أي أننا سنركز حديثنا على الإيمان الباطن . [17]

3- لماذا قصرنا حديثنا على الإيمان الباطن ؟

لأن صلاح الباطن سبب في صلاح الظاهر، وصلاح الظاهر من لوازم صلاح الباطن . والمعول كله على القلب لقوله r (ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)[18]. وقال سفيان بن عيينة – رحمه الله -: (كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم لبعض بهؤلاء الكلمات: من أصلح سريرته، أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته، كفاه الله أمر دنياه )[19]

المبحث الثاني:

1- معنى المراهق

المراهق: وهو: (الغلام الذي قارب الحلم. ويقال جارية مراهقة، وجارية راهقة وغلام راهق)[20]

وجمعه مراهقون: من بلغ سن المراهقة. والمراهقة: مقاربة البلوغ: "رأيته غلاماً دون المراهقة" مرحلة من العمر يتحرك فيها الصبي (أو الصبية ) للبلوغ، يقارب فيها الرشد مشارفة الحلم، مناهزة الإدراك: "لا يزال في سن المراهقة"[21] .

والمراهق في اصطلاح علماء التربية:

هو الذي يمر بـ (مرحلة الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والنضج، فالمراهقة مرحلة تأهب لمرحلة الرشد، وتمتد في العقد الثاني من حياة الفرد من الثالثة عشر إلى التاسعة عشر تقريبًا، أو قبل ذلك بعام أو عامين أو بعد ذلك بعام أو عامين)[22]

2- لماذا سن المراهقة ؟

ومن المؤكد أننا لا نهدف إلى حصر التربية الإيمانية في هذه المرحلة، بل نبدأ بغرسها في مراحل طفولته المبكرة، ولكننا نشير إلى أنها المرحلة الذهبية في بناء شخصية المراهق الإيمانية وذلك لعدة أسباب:

· أنها هي المرحلة التي اختارها الله عز وجل لبدء التكليف، ولعل تلك الإرهاصات التي تطرأ على المراهق تلك الفترة من استعدادات جسدية ونفسية وعاطفية إنما هي تهيئة ربانية لتلقي أوامر الله عز وجل وتكاليفه .

· مناسبة طبيعة المراهق وخصائصه لتكثيف التربية الإيمانية، فبالتأمل في خصائص النمو عند المراهق نجد عدة أمور:

§ أن نمو المراهق الجسدي يؤهله لتحمل تكاليف العبادة البدنية والروحية، فالحج بما فيه من الطواف والسعي ورمي الجمار، والصوم المتواصل لشهر كامل، والصلاة والبر والصلة والإنفاق ..إلخ ،كلها تحتاج إلى قوة في المكلف حتى تؤدى بكفاءة عالية .

§ أما نموه ونضجه العقلي فيكمنه من فهم الكتاب والسنة فهمًا عميقًا يتمثل في فهم الدليل ووجه الاستدلال, وكذلك فهم معاني أسماء الله عز وجل وصفاته والإيمان بالغيبيات، فيبدأ يسأل عن عالم الجن وعالم الملائكة وعن ما سيحدث في المستقبل من علامات الساعة وما سيكون يوم البعث، ويملك كذلك القدرة على تأمل الحكمة فيما يقدره الله تعالى وإن كان ظاهره الشر إذا دُرِّب على ذلك، ويرفض عقله الأقوال والآراء المخالفة والخرافات التي ليس عليها دليل ويتمكن من نقدها ورفضها والشعور بعدم مناسبتها .

§ أما النمو العاطفي المتزايد فهو الأرض الخصبة التي يغرس فيها الكم الهائل من محبة الله عز وجل ومحبة رسوله ودينه، تلك المحبة التي تسكِّن اضطرابه في هذا العمر وتدفعه قدمًا في عبوديته وجهاده مع نفسه والشيطان، وهي التي تمنعه من مخالفة أمر محبوبه، وهي التي تشبعه وتغنيه وتكفيه عن كل من سوى ربه، وكذلك بتزايد تلك العاطفة يتهيأ للارتباط بشريك حياته الذي في الارتباط به مزيد حصانه له، ويستعد لإنشاء أسرته التي يكتنفها بهذا الحب ويقودها بهذا الحب، ويتجاوز عن تقصيرها بهذا الحب، وينميها ويربيها ويصبر عليها كذلك بهذا الحب .

§ ثم هو في هذه المرحلة يميل إلى الاستقلال بذاته والاعتماد على نفسه، ويبدأ في البحث عن هويته ويحدد ملامح شخصيته فناسب أن يعمق ارتباطه بربه في هذه المرحلة ويأخذ الإيمان مساحة أساس من تكوين شخصيته، فإن هذا أدعى للثبات والرسوخ في الإيمان وأسهل من أن يتعلم الإيمان في مراحل متأخرة من حياته، ولذا نجد أن أكثر الصحابة رضوان الله عليهم كانوا شبابًا صغارًا لأن التقبل والقدرة على التغير في الشاب أسهل من الكبار بكثير .

§ ثم يزداد في هذه المرحلة نموه الاجتماعي وميله للأصدقاء . فإذا ما وُفِق لبيئة صالحة يجتمع بها ورفقة طيبه ينتمي لها، أكسبه ذلك الكثير من المهارات الحياتية والخبرات الشخصية والثقافات المختلفة مما يأهله للتفاعل مع من حوله بكفاءة فيفيد ويستفيد ويدير نفسه وأسرته مستقبلًا بمهارة . بالإضافة إلى روح التلاحم في المجتمع الإسلامي والشعور بالغير وتحمل المسؤولية تجاه الآخرين.

" إنها مرحلة دقيقة فاصلة من الناحية الاجتماعية، إذ يتعلم فيها الناشئون تحمل المسئوليات الاجتماعية وواجباتهم كمواطنين في المجتمع، كما أنهم يكونون أفكارًا عن الزواج والحياة الأسرية"[23]

3-ميل خاص نحو التدين:

بالإضافة إلى كل تلك الجوانب التي تدعم التدين فإن المراهق بطبيعته في هذه المرحلة (يشهد اتجاهًا قويًا نحو التدين، ويتمثل في التفكير والتأمل، وفي الاعتناء بممارسة الشعائر الدينية، وقد أثبتت دراسات نفسية عديدة، حتى في المجتمعات التي يعتبر التدين فيها أمراً هامشيًا كالمجتمعات الغربية اليوم فكيف بالمجتمعات المتدينة؟

إنها فطرة الناس التي فطر الناس عليها قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [24]

والاتجاه نحو التدين عند المراهق فرصة ينبغي الاعتناء بها واستثمارها الاستثمار الأمثل حتى تسهم في تربية الشباب وإصلاحه، وهي فرصة يمكن إعادة تشكيل النفس كلها إن كانت في حاجه إلى إعادة تشكيل، فإذا كانت فترة الطفولة قد افلتت – لأي سبب من الأسباب – فستتهيأ في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها فرصتان هائلتان لإعادة التشكيل، إحداهما هذه السابقة للبلوغ، والأخرى التي تحدث في مرحلة البلوغ) [25]

وبالإجمال فإن (كل تلك العوامل العقلية والاجتماعية – إضافة إلى النضج الجسدي – تتضافر في إيجاد وعي ديني عند المراهق، يختلف عن الاهتمام الديني عند الأطفال . فعندئذ يبدأ بتكوين فكرة عن الحياة والمصير والغاية، ويفكر في الخالق سبحانه وفي صفاته، وهذا يكوِّن لدية يقظة دينية تثير نشاطًا عمليًا، كالعبادة التي تترجم عن إيمانه، وكالجهاد في سبيل الله، وتحمل المطالب والمسؤوليات تجاه دينه، والاستهانة بالعقبات التي تقف أمامه) [26]

الفصل الثالث:

بعض النماذج للتربية الإيمانية على ضوء الكتاب والسنة النبوية:

وإن كنا سنسرد مواقف إيمانية أو تربوية لشخصيات في سن المراهقة أو قبلها بقليل أو بعدها بقليل لكننا نؤمن أن كل ما في الكتاب والسنة من مواقف تربوية وخطابات إيمانية هي صالحه لتربية المراهقين بها في تلك المرحلة، إذ هو قد قارب البلوغ وفي البلوغ يكمل استعداد الفرد لتلقي دينه كاملاً .. ولسنا نسردها من باب الحصر ولكنها مواقف مختارة ومتفرقة يجمعها مفهوم الإيمان بالله تعالى .

المبحث الأول:

من نصوص القرآن الكريم:

1- أعظم الحقوق هو حق الله تعالى

قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[27]

إن أعظم حق على الإطلاق هو حق الله تعال في توحيده، وأظلم الظلم وأعظمه هو ظلم العبد نفسه بالشرك في عبوديته، أو في شيء من حقوقه، ولما كان أحق الحقوق وأوجب الواجبات هو إفراد الله في توحيده وعبوديته كانت تلك أول وصية يوصي بها لقمان الحكيم ابنه حين قال له: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) بأسلوب وعظي رقيق لطيف، قريب من النفس معللاً ذلك بقوله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) .

يقول السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (والوعظ: الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص ونهاه عن الشرك وبين له السبب في ذلك فقال: (إن الشرك لظلم عظيم) ووجه كونه عظيمًا أنه لا أفظع وأبشع ممن سوى المخلوق من التراب بمالك الرقاب، وسوى الذي لا يملك من الأمر شيئًا بمالك الأمر كله، وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم وقلوبهم وأبدانهم إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء ؟! وهل أعظم ظلمًا ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده فذهب بنفسه الشريفة، فجعلها في أخس المراتب، وجعلها عابدة لمن لا يسوى شيئًا فظلم نفسه ظلمًا كبيرًا)[28]

فأول ما يبدأ به كل حكيم في تربيته لابنه هو تعريفه بأحق حق عليه وأوجب واجب لديه وهو توحيد الله في عبادته، ووجه كونه أعظم الحقوق، ووجه كون التقصير فيه أظلم الظلم . فإذا كان هذا هو المنطلق في حياته كلها، وكان مدار حياته على هذا استطاع المتربي أن يحسم أموره في كثير من قضايا حياته التي يقع فيها أمام خيارين أحدهما يرضي ربه والآخر يسخطه .

2- الموقف عند تعارض الحقوق مع حق الله:

ثم لمزيد تأكيد على كون حق الله أعظم الحقوق ذكر بعده أعظم حق يمكن أن يتساءل المتربي عنه وهو حق الوالدين فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[29]

ويلاحظ في الآية انتقاء لفظ التوصية الذي يشير إلى العناية والاهتمام بالموصى به .

يقول السعدي رحمه الله (ووصينا الإنسان: أي عهدنا إليه وجعلناه وصية عنده سنسأله عن القيام بها هل حفظها أم لا ..... إلى أن قال ( إلي المصير ) أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك : هل قمت بها فيثيبك الثواب الجزيل، أم ضيعتها فيعاقبك العقاب الوبيل ؟! ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم، فقال ( حملته أمه وهناً على وهن)[30]

ثم رسخ قاعدة صلبة قوية ينشأ عليها المتربي أنه إذا تعارض ما يريده الله مع ما يريده غير الله كائنًا من كان فإن طاعة الله هي المقدمة . قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)

وتبقى المصاحبة بما هو متعارف عليه من البر والإحسان إليهما .

فمن خلال هذه الآية العظيمة يتبين أنه من المهم أن يتربى الأبناء على أن أعظم الناس حقًا عليهم في حياتهم بعد الله لا تؤدى حقوقهم من أجلهم بل ابتغاء وجه الله تعالى ورجاء ثوابه، وأن الإنسان مسؤول عن التقصير يوم القيامة فيه، فمن من الناس أعظم من الوالدين حقًا ليقدم حقه على حق الله أو يبر لذاته وليس لله !!

فإذا كانت محبة الوالدين وبرهما فرع عن محبة الله، وتقديم محبتهما على محبة الله ظلم، فتقديم محبة من دونهما من باب أولى أن يكون أعظم ظلماً .

3- وجوب اتباع سبيل المؤمنين

وإن تلبس الطريق على المتربي فعليه أن يتبع سبيل من أناب إلى الله سواء كان أبًا أو أمًا أو أخًا أو أختًا أو صديقًا أ معلمًا أو شيخًا أو أيًا كان مادام وصفه الإنابة لله . كما ذكر الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله تعالى: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[31] قال: (هم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه، واتباع سبيلهم أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى الله، التي هي انجذاب دواعي القلب وإرادته إلى الله ثم يتبعها سعي البدن فيما يرضي الله ويقرب منه)[32]

فإذا ترسخ لدى المتربي أن أعظم الحقوق حق الله، وترجمته تربية الوالدين إلى تطبيقات عملية في حياتهم، وعرف من يقدم عند تعارض الحقوق والواجبات، ومن يتبع، وأنه في كل هذا مسؤول أمام ربه، نكون قد اختصرنا عليه الكثير من المواقف المحيرة والمؤلمة التي تحتاج أن يفصل فيها في حياته بين ما يريده الله وما يريده هو أو بين ما يريده الله ويريده الناس، ونكون قد رتبنا له الأولويات العاطفية والنفسية والاجتماعية، ونظمنا جزءًا كبيرًا من حياته وطريقة تفكيره .

ونضيف لهذا أمرًا آخر مهمًا يوسع دائرة التوحيد في حياة المتربي، وهو كما أنه لا تقدم طاعة على طاعة الله فإنه لا يقدم حب على حب الله، ولا قول على قول الله، ولا كلام على كلام الله فهو توحيد شامل كامل لكل حياة الإنسان أن تكون بأكملها لله، ويكون هو كله كذلك لله ، ومثل هذه المعاني العظيمة تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل حتى ترسخ في نفس المتربي وتصبح جزءًا من طريقة تفكيره ومنهجًالحياته .

4- وجه كون حقه أعظم الحقوق

ولتسهل عملية التنفيذ والاتباع عاد مرة أخرى يعمق في نفس المتربي سبب كون حق الله أعظم الحقوق ، ومن الذي لأجل حقه تخضع كل الحقوق. ليحدث المتربي عن جانب عظيم من جوانب عظمة الله تعالى وعظمة صفاته. لأن العلم بحق الله فقط لا يكفي في انقياد كثير من الناس؛ فالكل يعلم أن حق الله أعظم الحقوق ومع هذا لم يعصمهم ذلك العلم من الغرق في الذنوب ، فالمعرفة وحدها لا تكفي ونحتاج ويحتاج المتربي أن يرتبط بالله حبًا وتعظيمًا واستعانةً، وهذه كلها تتحق من خلال ربطه بأسماء الله عز وجل وصفاته، فمتى ما تعرف المتربي في هذه المرحلة على بعض أوصاف الله عز وجل وأفعاله وصفاته بالأساليب المتنوعة وقعت في قلبه محبته التي ستكون دافعًا للانقياد التام بإذنه، لذا نجد أن لقمان هنا لم يغفل هذا . فالمراهق كثيرًا ما يسأل عن السبب في كل شيء ؟ فقد يرد على ذهنه هذا السؤال: لم كان حق الله أعظم الحقوق ؟ فالجواب: لأنه الأعظم من كل شيء ومن عظمته هذا الجانب من لطفه .

قال تعالى: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [33]

يقول السعدي رحمه الله تعالى: ((يا بني إنها إن تك مثقال حبه من خردل): التي هي أصغر الأشياء وأحقرها (فتكن في صخرة) أي: وسطها، (أو في السماوات أو في الأرض): أي في أي جهة من جهاتها: (يأت بها الله): لسعة علمه وتمام خبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار وخفايا القفار والبحار والمقصود من هذا الحث على مراقبة الله والعمل بطاعته مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح قل أو كثر) [34]

ويقول ابن الجوزي – رحمه الله – في زاد المسير: (إن الله لطيف) قال الزجاج: لطيف باستخراجها (خبير) بمكانها . وهذا مثل لأعمال العباد . والمراد أن الله تعالى يأتي بأعمالهم يوم القيامة، من يعمل مثقال ذره خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذره شرًا يره) [35]فأي تقديم لأحد على طاعة الله أو التفات بالقلب لغير الله فإن الله يعلمه ومطلع عليه، وأينما فر العبد من الله فإن الله آت به يوم القيامة لسؤاله ومحاسبته، ومن كان هذا شأنه في عمله واطلاعه على خفايا النفوس وقدرته على خلقه فحري بالمؤمن أن يخاف من اطلاعه على مالا يحبه، إذ لا يأمن عقوبته ولا بطشه أو مكره بمن خالفه .

وهذا مما نغفل عنه، أن نربط الشاب والشابة بمعاني أسماء الله عز وجل وصفاته حتى يحصل في قلوبهم الحب الذي يدفعهم للعمل بما تعلموه .

أليس الحب إلا بعد المعرفة ؟!

فإذا استطاع المربي أن يوصل تلك المعاني لقلب المتربي ويجعلها حاضرة في ذهنه فإن هذا سيغني عن كثير من الرقابة للأبناء، وسيعمق مفهوم الرقابة الذاتية لله وحده، فيتحرر من عبودية مراقبة غيره أو الخوف من سواه، وسيكون استشعاره لاطلاع الله على باطنه عاصمًا له من مجرد التفكير في الخطأ، فإذا راقب الله في خواطره عصم الله له جوارحه حيث أن كل خطأ مبدأه من الفكرة . فأين هذا المستوى من المراقبة الذاتية للمراهق نفسه من مراقبة أحد والديه له ؟!.

ومن زاوية أخرى يمكن من خلال هذه الآية غرس مفاهيم إيمانية عظيمة تتمثل في حفظ الله تعالى وكفايته لعبده وحسن تدبيره له فيما يسوقه له من أقدار . يقول السعدي رحمه الله تعالى: (اللطيف: أي الذي لطف علمه وخبرته ودق حتى أدرك السرائر والخفايا والخبايا والبواطن، ومن لطفه أن يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد ولا يسعى فيها، يوصله إلى السعادة الأبدية والفلاح السرمدي من حيث لا يحتسب، حتى إنه يقدر عليه الأمور التي يكرهها العبد ويتألم منها ويدعو الله أن يزيلها ،لعلمه أن دينه أصلح وأن كماله متوقف عليها فسبحان اللطيف لما يشاء الرحيم بالمؤمنين) [36]

مثل هذه المعاني من المناسب جدًا ربط المتربي بها في بداية حياته لشديد حاجته إليها، ويتنوع الأسلوب فيها ما بين أسلوب الوعظ المباشر كما فعل لقمان مع ابنه، أو عند رؤية حبة الخردل ،أو من خلال المواقف التي تمر بالمتربي نفسه أو بالمربي، أو عند التحذير من ذنب أو خطأ ما، بأي طريقة شرعية وسليمة كانت، المهم أن لا تمر تلك المرحلة إلا والمتربي قد أخذ بُلغته منها .

5- مشروعية العزلة عند خوف الفتنة مبدأ مهم في التربية الإيمانية:

وبعد أن بين تعالى فيما سبق أن حقه أعظم الحقوق، والتقصير فيه أظلم الظلم وبين وجه كون حقه أعظم الحقوق بذكر صفة من صفاته، وأن حق الوالدين لا يُقدم على حقه، وإن خالفاك فلهما حق الصحبة بالمعروف، ثم عليك بمفارقة سبيلها واتباع سبيل المنيبين إلى الله، فإذا لم يكن ثمة منيب وكان الكل على خلاف دينك ومنهجك وطريقتك ولم تستطع أن تحدث تغييرًا وتأكد لديك أنك ستقع في الفتنة، فلا تساوم في دينك ولا تتنازل عن شيء منه، وفي هذه الحال يمكنك أن تفر بدينك وتعتزل الناس جميعهم والله كافيك وحسبك .

وهذا ما حصل مع أصحاب الكهف حينما شعروا بالفتنة على دينهم لولا أن ربط الله على قلوبهم . قال تعالى: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) حتى قال بعضهم (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا) [37]ويقول السعدي رحمه الله تعالى: (أي انضموا إليه واختفوا فيه ...... لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته وهيأ لهم من أمرهم مرفقًا، فحفظ أديانهم وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن ما هو من رحمته بهم، ويسر لهم كل سبب، حتى المحل الذي ناموا فيه كان على غاية ما يمكن من الصيانة) [38]فكان الله لهم خير معين وحافظ .

إن دروس هذه السورة وغيرها من سور القرآن وهذه القصة وغيرها من قصصه عظيمة جلية واضحة لكل متدبر، ودورنا كمربين أن ننقل لهم تلك المعاني الجلية بطريقة تساعدهم على تدبرها، وأن نستخلص منها تلك الدروس ونترجمها على أرض الواقع من خلال أحاديثنا معهم وأثناء المواقف، فإذا ما تعرض الشاب أو الشابة لأمر فيه فتنة على دينه أو خيار فيه تنازل عن ثوابته، أن نقرأ عليه هذا الجزء من الآية (رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) بدون آية تعليقات أو إضافات فإذا كان قد تعلمها وفهمها فإن ذُكِر بها في هذه المواقف كان له الأثر الكبير على نفسه .

ومما يجدر الإشارة إليه أن العزلة ليست فقط حين يستحكم الباطل من كل الجهات، بل قد يمارس المؤمن بالله عزلة فكرية وعقلية لبعض الأفكار التي تخالف فكره وثوابته الدينية، وكذلك يتربى على اعتزال أهل الباطل وأفعالهم وإن اضطر إلى مخالطتهم بجسده بغرض إصلاحهم ودعوتهم، وعلى أن لا يلجأ لاعتزال أحد إلا بعد استفراغ الوسع في الإصلاح والتغيير، ولكن الدرس الذي ينبغي أن يتعلمه ولا ينساه أن يكون مستعدًا للتنازل عن كل شيء إلا دينه وعقيدته، وأن في الله الخلف عن كل شيء .

6- المؤمن مستسلم لله تعالى:

قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[39]

أما في هذه الآية فيضرب الأب المربي لابنه أروع نموذج للاستسلام أمام ما يريده الله عز وجل ولو كان أثمن ما يملك .

وأنت لا تملك من نفسك شيئًا ولا من أحب الناس إليك، وما أنت إلاعبد ليس له من نفسه شيئًا، ولو أراد الله منك قتل نفسك أو قتل أحب الناس إليك لكان الحقيق بك أن تفعل، فلا أحب لك من الله لتقدم روحك وروح أحب الناس إليك إليه .

ومن جهة أخرى فإنها تربية للمربي نفسه، فمهمًا شعر المربي أن ما يريده الله عز وجل منه مؤلما له ولابنه فعليه الاستسلام . وهنا يتعلم الابن كذلك أن يستسلم أسوة بأبيه لأن المتربي في هذه المرحلة يتعلم ما يراه من والديه وممن حوله، فإذا رأى والده يجزع من موقف جزع هو من مثله، وإذا ما رأى والده يكرم في موقف ويعطي في موقف أكرم وأعطى مثله، وإذا ما رأى والده يصبر و يتحلم ويستعمل الحكمة في موقف صبر واستعمل الحكمة مثله، وإن لم يقدر على محاكاته تمامًا في نفس الوقت فإنه في الغالب سيلوم نفسه على التقصير وسيحاول في المستقبل، وسيكون قادرًا ولو بعد حين .

وقد تتعلق نفوس الأبناء في أمر لا يحبه الله، ويشق عليهم إنكار آبائهم لهم ومنعهم إياهم، فإذا ما لمس الأب المربي ضيق ابنه من الإنكار عليه ذكره بقوله يا بني إني مضطر أن آمرك بما تكره، وأين أنا من إبراهيم عليه السلام حين قال (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) فرحمتي إياك ليست في أن أتركك وما تريد ولكن في أن أنفذ ما يريده الله فيك، ولو كنت يا بني كارهًا له فجميل منك يا بني أن تقول كما قال إسماعيل (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)

لا شك أن هذه درجة عالية وسمو من الأب في مستوى تربيته لابنه، وسمو من الابن في درجة خضوعه واستسلامه وثقته بربه ومربيه، ويشير إلى أن بدايات تلك التربية كانت في مراحل مبكرة في حياة هذا الابن حتى أعطت تلك النتيجة من الاستسلام في هذا الوقت المبكر، وقد ذكر ابن الجوزي – رحمه الله تعالى – في تفسيره بعض أقوال في معنى (بلغ معه السعي) من ضمنها قول (ابن السائب: كان ابن ثلاث عشر سنة)[40]، ولا شك أنه إن صح هذا القول فإنه يعني أن إسماعيل [41] قد تلقى من التربية الإيمانية الشيء الكثير قبل ذلك الموقف .

وقد تكون التربة قد بدأت في مراحل متأخرة ولكن لها قوتها وعمقها في نفس المتربي إلى درجة أنها تجعل منه أنموذجًا قريبًا من أنموذج إسماعيل عليه السلام وأبيه .

وهنا نماذج أخرى مقاربة (في جنبات مكة المكرمة، أسلم شبان مع من أسلم، وتحملوا من العذاب والقطعية والجوع مع قائدهم ومربيهم رسول الله r.

فقد لاقى رسول الله r– نفسه – من المشركين أوانًا من الاضطهاد والقطعية والاتهام . ولاقى أصحابه كثيرًا من الأذى، منهم الصديق وابن مسعود وعثمان بن عفان، y أجمعين .أما الشباب فقد كان منهم مصعب بن عمير، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب وغيرهم، y جميعًا.

أما مصعب بن عمير فقد أجاعته أمه وأخرجته من بيته، لما علمت بإسلامه، وكان t من أنعم شباب مكة عيشًا.

وكان عم الزبير بن العوام، يعلقه في حصير، ويدخن عليه النار ويقول: " ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير لا أكفر أبدًا" وكان الزبير قد أسلم وهو ابن ثمان سنوات، وقيل ابن اثني عشر عامًا.

وفي شعب أبي طالب تم حصار المسلمين جميعًا، وشدد المشركون الحصار والقطعية حيث الجوع الشديد خلال سنتين أو ثلاث .

وفي المسلمين النساء والأطفال، وصغار الشباب، أمثال سعد بن أبي وقاص: وطلحة بن عبيد الله، والزبير وعلي y، ابن عم رسول r، وقد تربى في حجره ونام في فراش رسول الله r يوم الهجرة وهو في سن الشباب آنذاك، أمره الرسول r، أن يتخلف بعده في مكة، حتى يؤدي عن رسول الله r الودائع الي كانت عنده للناس[42] والشواهد على هذا كثيرة .

المبحث الثاني:

نماذج تربوية من نصوص السنة النبوية الصحيحة:

1- ولا تتبع السبل:

عن عبد الله بن مسعود t قال: خط رسول الله r خطًا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيمًا قال: ثم خط عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعوا إليه ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)[43]

وفي هذا الحديث العظيم أسلوب آخر من أساليب التربية، وهو أسلوب ضرب المثل وتقريب الصورة، إن الرسول r استخدم أسلوبًا مختلفًا هذه المرة وصور ما يواجه العبد من فتن الشهوات والشبهات برسم حي يراه المتربي على الأرض فتنطبع صورته ورسمه في الذهن، فقد شبه لهم الصراط المستقيم بخط مستقيم يسير فيه العبد إلى ربه، وخط عن يمين هذا الخط وشماله خطوطًا وهي السبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه . فأنت في سبيلك إلى الله أمامك عن اليمين وعن الشمال قطاع طرق ودعاة شهوة وشبهة، وأبواب فسق وكفر ورذيلة مشرعة، كلها بمجموعها تهدف إلى عطفك عن طريقك أو تأخيرك فيه قدر الإمكان . ربما تكون سبل الشيطان في بعض الأحيان مكشوفة ولكنها في الغالب ليست ظاهرة بل يظنها الإنسان خيرًا وهي الشر كله . فلربما أوقعه الشيطان في بدعة وطاعة مردودة لا تزيده من الله إلا بعدًا، وهو يظن أنه على السبيل, إن المتربي يحتاج إلى إيقاظ حساسيته تجاه ما ينازعه إيمانه وعلاقته بربه فيدخله في دائرة الفسق أو البدعة أو الكفر، وعليه أن يدرك أنه تحت تضليل الشيطان وإغوائه في كل لحظة وعلى مدار الساعة وبألف طريقة وطريقة، فينبغي أن يكون حذرًا فلربما سلك السبيل الذي يريد الشيطان منه أن يسلكه وهو لا يدري . ومن سلك غير سبيل ربه تفرقت به السبل عن سبيله ولم يصل إلى ربه .

إنه تشبيه له هيبته، وموقف له أثره . وبإمكاننا أن نعيد رسم تلك الخطوط لمن نربيهم في موقف هادئ وجلسة تحفها الألفة والمحبة والسكينة، وهذا ما نستشعره بمجرد قراءة الحديث، فإن هذا الرسم وتلك الكلمات المناسبة لم تكن في أرض المعركة أو حال استقبال الوفود أو توزيع الغنائم، لأن الموقف يتطلب تأمل وتركيز وتصور وتفكر، وكل هذا يحتاج لجلسة مناسبة ولا بأس أن تكون على شاطئ بحر أو في جلسة برية أو في فناء منزل بحيث يرتب لها المربي هيئتها وظروفها المناسبة ويخطط فقط من أجل غرس هذه القيمة .

فإذا فعل ووفق ونجح في توصيل ذلك المعنى فإنه بإمكانه أن يستعمله في كل موقف يريد المتربي أن يخالف فيه أو يتبع شهوة أو شبهة بأن يقول له بأسلوب التخويف والتحذير: الثبات الثبات على السبيل (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) فسرعان ما يتذكر المتربي ذلك الرسم وتلك الصورة بنائًا على مبدأ (ما تكرر تقرر).

مبدأ مهم في التربية: (ما تكرر تقرر)

(هي حكمة وصفية صالحة إذا حسن استخدامها، وطريقة تعليمية ناجحة إذا أتقن العمل بها، ومعناها: أن تكرار المعلم الجمل الهامة والتوجيهات الضرورية والنصائح الغالية مرات كثيرة وفي مواطن مختلفة وبطرق مختلفة، فإنه إذا أكثر من تكرار ذلك بهذه الطريقة فإنها تقرر في عقول المستمع كأصول وأسس ثابتة يصعب نسيانها .

فالمعلم الحريص على تعليم الإخلاص مثلًا عليه – بعد تعليم الناس أصوله نظرًا– أن يعاود تذكيرهم به في كل المواقف بل وفي كل يوم، ويختار لذلك جملًا مؤثرة لبعض العلماء أو الصالحين كقولهم: "إنما يتعثر من لم يخلص"، أو كقولهم: "الإخلاص عزيز"، والمعلم الذي يريد ترسيخ العمل بالذكر مثلًا عليه أن يكثر من التذكير به وسؤال الناس دومًا عنه وعن أذكار الصباح والمساء وعن الأذكار الموظفة، وعن الاستغفار، ويختار الجمل المؤثرة للتذكير بذلك ويكررها كثيرًا كقوله r:"لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله"، أو كقول الإمام ابن القيم: "الذكر نور الذاكر" . وهي ولا شك طريقة معينة وليست أساسية في التعليم لأنها لا يتم أثرها إلا إذا سبقها التعليم النظري للموضوع المراد تذكيره وتقريره)[44]

2- لا أغني عنك من الله شيئًا

قام رسول الله r حين أنزل الله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) . قال (يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، و يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، و يا فاطمة بنت محمد r، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً) [45].

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمة الله تعالى -: "لا أغني عنكم من الله شيئًا: أي لا أدفع ولا أنفع، أي لا أنفعكم بدفع شيء عنكم دون الله، ولا أمنعكم من شيء أراده الله لكم، لأن الأمر بيده ." [46]وقال: "هذا كلام النبي r لأقاربه الأقربين: عمه، وعمته، وابنته، فما بالك بمن هم أبعد ؟! فعدم إغنائه عنهم شيئًا من باب أولى"[47]

ونقول هذا كلام النبي لأقاربه الأقربين وهو له من المكان ماله عند الله تعالى فكيف بمن هم دونه من الناس، لا شك أنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لأقرب الناس إليهم شيئًا، وإن كان النبي r لا يغني عشيرته والأقربين له شيئًا من دون الله فعدم إغنائه لنا من دون الله من باب أولى .

ويتضح هذا عندما قال: ("يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت" يعني اطلبي مني شيئًا أملكه وهو المال، أما النجاة من النار فهذه لا أملكها: "لا أغني عنك من الله شيئًا " أما الآخرة، والنجاة من النار، والدخول في الجنة، فهذا إنما يطلب من الله سبحانه وتعالى، ويحصل عليه بطاعة الله ورسوله r، فالواجب أن يتعلق الناس بربهم سبحانه وتعالى، وأن يتقربوا بالطاعة والعبادة، ويخلصوا له بالتوحيد، هذا هو طريق النجاة، أما التعلق على المخلوقين، ولو كانوا أبناء أو صالحين أو أولياء، فإنهم لا ينفعون من تعلق بهم، وتوسل بهم)[48].

وكذلك يتضح من الحديث السابق درس تربوي وإيماني عظيم يحتاج له المتربي في بداية طريقه لله تعالى وهو أنه على الإنسان أن يشتري نفسه من الله بنفسه، بعمله هو وبذله وصبره وتضحيته وحسن عبوديته، فلا ينتظر من أحد في أمر آخرته شيئًا، بل يسعى لإصلاح نفسه وتكميل إيمانه بنفسه مستعينًا بربه .

إن الابن الذي ينشأ في بيئة صالحة قد يكون عنده نوع اعتماد على صلاح أبويه، ودعائهم أو شفاعتهم، فإن هذا كله لا ينفع العبد من دون الله تعالى، بل ينبغي أن يتجرد في معاملته مع ربه من كل الناس وينظر في حال نفسه وصلاحه .

وعلى المربي أيضًا ان يربي من تحت يده على التعلق بالله وحده في أمور دنياهم ومصالحهم فلا يلتفت في حاجه صغيرة أو كبيرة إلا إلى الله،لا في رزق ولا علم ولا فهم ولا وظيفة ولا شفاء ولا إلى غير ذلك، بل يوجه للتوكل على الله تعالى وحده وسؤاله وحده، قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرً)[49] لأنه لا نافع ولا ضار على الحقيقة إلا الله تعالى، فلا يلتفت إلا إليه ولا يتعلق إلا به .

فإن نشأ الشاب على التعلق بالله وحده في أمر دينه ودنياه فإنه سيتذكر مثل هذه المبادئ إذا مسه شيء من الضيق أو الهم والكرب، فإنه سيُعمِل قاعدة قوية تربى عليها في يوم من الأيام وهي أنه (لا يغني عنك من الله شيئًا) ولا ينفعك من دون الله أحد ففرغ القلب من دونه وتوكل عليه .

3- والذين آمنوا أشد حبًا لله

عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا ؟ فقال: أقول يا أمة كما قال الأول زر غبا تزدد حبا. قال: فقالت: دعونا من رطانتهم هذه .قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله – r– قال: فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال يا عائشة: ذريني أتعبد الليلة لربي قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت ثم بكى فلن يزل يبكي حتى بل لحيته قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر ؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورا لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: (إن في خلق السماوات والأرض) الآية كلها[50].

إن من بين أسطر هذا الحديث العظيم موقف إيماني عظيم ربى فيه الرسول r زوجته أم المؤمنين عائشة بدون أن يتكلم بشأنه كلمة واحدة ولكنها ( التربية بالقدوة ).

من هي عائشة رضي الله عنها ؟! وما هي مكانتها عند رسول الله r ولأي درجة يحبها ؟! والرسول r له من الزوجات تسع يبيت في كل يوم عند إحداهن، فنوبة عائشة رضي الله عنها لا تأتيها في الغالب إلا كل ثمانية أيام، وقد كانت الأحب إلى نفسه ومع ذلك فنحن نشهد من خلال هذا الحديث كيف أن حبه r لربه وانشغاله بعبوديته وبما أنزل الله عليه من آيات أخذت بقلبه وصرفته عن أحب محبوب من الناس لديه، إنه مشهد إيماني عظيم وهو أن الرسول r وإن كان يحب عائشة رضي الله عنها هذا الحب فإنه لربه أحب ولعبوديته أرغب ولداع الإيمان أعظم استجابة واتباعًا، وهو ترجمة للقرآن الكريم في قوله: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [51]ويتجلى هنا كيف أن هذا المتربي يحترم تلك الرغبة القوية في مربيه إذ تبقى عائشة رضي الله عنها تتأمله وتصور أكثر شيء أثر في نفسها من موقفه (بكاءه) ولا تجروء مع هذا كله أن تسأله حتى يسأله بلال فيتبين لها سر ما ينتابه من حالة إيمانية استغرقت كل مشاعره ليلة كاملة .

إن الشباب في هذه المرحلة يندفعون في عواطفهم ومشاعرهم ويحبون بطريقة تملك عليهم قلوبهم، وقلما نجد بينهم من يملك التوازن في محبته، فربما كان انشغالهم بالمحبوب لدرجة تلهيهم عن ربهم وعن كمال عبوديته .

إن رسول الله r ضرب لعائشة رضي الله عنها ولأمته من خلال هذا الموقف العابر مثل المحب لربه الذي ملك حب الله عز وجل قلبه فأشغله عن أحب الناس إليه، إن مثل هذا الموقف ليأخذ بلب المتربي ويثير لديه سيل من التساؤلات والتأملات خاصة وأن لدية في تلك المرحلة العمرية نزعة إيمانية واستعداد قوي لهذا النوع من التعبد والتبتل لله تعالى، إنه بلا شك يبقى مرسومًا في مخيلته ويظهر في سلوكه ولو بعد حين .

إنه درس في محبة الله وفي محبة كتابة، ودرس في البكاء من خشيته والإنابة إليه وتعظيمه، إنه درس في التدبر في كلام الله تعالى والتفكر فيه، ودرس في قيام الليل بحب وشوق لله تعالى لا مجرد حركات جسدية والقلب من الإيمان خال، إنه سيل من الدروس الإيمانية التي لا عد لها ولا حصر ، إنه تجسيد لمعنى الإيمان الكامل والقلب الحي السليم الذي يؤثر نصيبه من الله على كل شيء، إذ هو أحب إليه من كل شيء .

مثل تلك الأنواع من العبادة، من الخوف ومن الرجاء ومن الحب وإيثار القرب من الله تبقى مبهرة وخالدة في ذاكرة من رآها . ومثلًا أعلى يتطلع للوصول إليه، إنه أبلغ من كثير من الكلمات والمحاضرات ولكنه يفتقر في الحقيقة لتلك الروح في ذلك المربي، فكم بين الواقع والمطلوب من مسافات .

4- القضاء والقدر بيد الله:

عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: قال: كنت خلف رسول الله r يوما قال يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، (رفعت الأقلام وجفت الصحف) [52]

وهنا أسلوب آخر من أساليب التربية، ووصية رقيقة مباشرة خاصة للمتربي بأمور عظيمة تبقى محفورة في الذاكرة، إنها وصية الرسول r لابن عباس المشهورة التي لا يزال يستعملها المؤمنون في حياتهم كبيرهم وصغيرهم . إن أبناءنا ومن تحت أيدينا بحاجه لتلك الوصية في تلك المرحلة وفي كل مرحلة .

إن من حقهم أن يتعلموا هذا الحديث العظيم وما فيه من قواعد ومفاهيم ليصبح نصب أعينهم.

وأول قاعدة يجب أن يتعلمها المتربي من خلال هذا الحديث أن الله يعامل العبد بحسب معاملة العبد لربه، وعلى هذا شواهد كثيرة منها: قوله: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)[53]، (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)[54]

وقوله r في الحديث القدسي: يقول تعالى "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " [55]

(من تقرب إلي شبرًا تقربت منه ذراعًا) .... وهكذا ... فإذا أراد العبد من ربه معاملة معينه فليعامله بتلك المعاملة فإن الله كريم يقابل الإحسان إحسانًا.

وثانيًا: أننا كلنا نطلب السلامة والحفظ مما يتعاقبنا في الليل والنهار من فتن ومصائب، طريق هذا الحفظ هو حفظ العبد ربه، فإذا كنت تريد من الله أن يحفظك فاحفظ أنت الله أولًا، يعني : ( احفظ حدوده وحقوقه، وأوامره ونواهيه: وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله تعالى في كتابه، وقال عز وجل (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ،مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [56]

(وفسر الحفيظ هنا بالحافظ لأوامر الله، وبالحافظ لذنوبه، ليتوب منها) [57]فإذا فعلت فثق أن الله سيحفظك .

وأنواع الحفظ التي ينبغي توجيه المتربي لحفظ الله فيها كثيرة ( ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله الصلاة، وقد أمر الله بالمحافظة عليه، فقال تعالى (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)، كذلك الطهارة فهي مفتاح الصلاة، قال النبي r: " ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " حديث صحيح . ومن ذلك حفظ الرأس والبطن، كما في حديث ابن مسعود المرفوع " الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعي ، وتحفظ البطن وما حوى " خرجه الإمام أحمد والترمذي . وحفظ الرأس وما حوى يدخل فيه حفظ السمع البصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على ما حرم الله . وقد أمر الله عز وجل بحفظ الفروج، ومدح الحافظين لها فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[58] ومدح الحافظين فروجهم فقال تعالى: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[59] وقوله r: " يحفظك " : يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله، فإن الجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) وقال: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان: أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال تعالى: ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ)[60] قال ابن عباس: هم الملائكة: يحفظون بأمر الله، فإذا جاء القدر خلوا عنه .

والنوع الثاني من الحفظ وهو أشرف النوعين: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان) [61]

ودور المربي ليس هو شرح هذه المعاني فقط ولكن استعمالها في المواقف وتربية الأبناء عليها، فإذا ما اشتكى المتربي من وقوعه في بعض الأمور التي لم يعهدها يشار إليه بطرف الحديث وهو قوله ( احفظ الله يحفظك ) ويوجهه لمراجعة نفسه ومحاسبتها، فما أصابه إلا بتقصير منه في حفظ حدود الله تعالى .

ويمكن كذلك إذا وجهه ونصحه في أمر ما ولم يستجب يكرر عليه بأسلوب التخويف (احفظ الله يحفظك) فإنك إن لم تحفظ الله رفع الله حفظه عنك وعرضت نفسك للمهالك.

ثم نأت للطرف الآخر من الحديث :" إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " ليجرد تعلق قلبه مما سوى الله معللًا ذلك بقوله :" واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف " ( فسؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار ، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ، ونيل المطلوب ، وجلب المنافع ودرء المضار؛ لا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده؛ لآنه حقيقة العبادة ) [62]

وبما أن حاجات المراهق كثيرة وهو في مقتبل عمره، فهو بحاجة للتوفيق في تعلمه وعمله وزواجه ووظيفته وتربيته لأبنائه وغيره فإن من أعظم ما يقدم له أن يوجه قلبه لمن بيده حاجاته كلها، ولا يعني هذا ترك السبب ولكن تربيته أن لا يسأل إلا الله ولا يطلب إلا من الله ولا يلتفت قلبه إلا إلى الله، لأن الأمر كله بيد الله تعالى والتفات العبد إلى غير الله قدح في توحيده وكمال عبوديته.

فإذا ما تربى على هذا منذ صغره وفي بداية تنشئته كان في شبابه مطمئنًا راضيًا بما يقدره الله تعالى له، فإذا ما كان مقبلًا على دراسة جامعية فهو يعلم أن لا يسأل إلا الله في قبوله في المكان الذي يريد، وإذا تطلعت نفسه لوظيفة مرموقة فيوقن أن لا يسألها إلا من الله، وأنه مهمًا حاول الناس أن ينفعوه أو يقدموا له الدعم والمساندة لم يمكنهم هذا إلا بإذن الله تعالى مصداقًا لقوله :" ولئن اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ".

وكم رأينا من بين تجارب الناس أن الشهادات والتوصيات والعلاقات كلها لا تغني من الله شيئًا، وكم من إنسان بسيط في كل إمكاناته أعطي من الله فوق ما يتوقع الناس له .

فينبغي له أن يوجه استعانته كاملة بالله تعالى على ما يظن أنه عليه قادر وعلى ما يظن أنه عليه ليس بقادر، إذ هو ضعيف تعتوره الآفات والمنغصات والابتلاءات التي تجعل منه وهو قادر ليس بقادر فكيف وهو ليس بقادر .

ثم يوقن أن الأمر الذي يريده ويطلبه إن حصل أو لم يحصل فهو بقضاء الله وقدره مهما كان بذله فيه، وما كتبه الله تعالى له فإنه سيحصل عليه وإن حاول من في الأرض كلهم أن يمنعوه، وأن مالم يكتبه الله له فإن أهل الأرض كلهم لا يأتوه به، فإذا تيقن من هذا زهد في الخلق كلهم أجمعين فلا نافع ولا ضار على الحقيقة إلا الله .

وهذا درس عظيم في الإيمان بقضاء الله وقدره لا سيما إذا ضم إليه قوله r: " رفعت الأقلام وجفت الصحف " وهذا دلالة على تقدم الكتابة وقدمها ويؤيده قوله r( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض وخمسين ألف سنة . قال وعرشه على الماء )[63]

فكل ما يصيبنا فهو مكتوب في اللوح المحفوظ لا يملك أحد تغييره، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )[64] ولا يمنع هذا من أن يفعل المؤمن ما هو مأمور به من بذل السبب ، قال صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف . وفي كل خير . احرص على ما ينفعك استعن بالله . ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا . ولكن قل : قدر الله . وما شاء فعل . فإن لو تفتح عمل الشيطان ) [65]

5- الموعد الله

كنا جلوسا عند النبي r، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، قال ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروب الشمس، فافعلوا ) [66]

رؤية الله عز وجل منية الأولين والآخرين، المحسنين منهم والمقصرين، بذكرها تطيب حياة المؤمن ويسهل في عينه الطريق، وتقصر من أجلها المسافات، ولا بد للمؤمن من شيء يتعلل به في طريقه إلى الله تعالى، وليس كأماني رؤية الرب في القلب، وهل المحب إلا كلف برؤية محبوبه مشغول بموعد لقائه، فكيف بحب العبادة الذي استغرق على العبد حياته من أجل محبوبه، ترى كيف تكون أماني لقياه ؟؟! أو كيف ينشأ شاب أو شابة وهو لم يتصور ذلك الموقف العظيم والمشهد الجليل ويتعلل به، ومن المسؤول عن تصوير تلك المواقف في حياة هؤلاء إلا من يقوم على تربيتهم .

إن المربي الذي تملك قلبه رؤية ربه لو أراد أن يمنع نفسه من الحديث عنها لما استطاع، ولكن الأسى على مربٍ لا يعرف عن ذلك الموقف الكثير ولا ينشغل فكره فيه ، وغالب عبوديته عادة وتقليد، أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد ملك حبه لربه قلبه حتى أصبح يتذكر تلك الرؤية في كل شيء، إنه هنا ينظر إلى السماء كما ينظر الالاف إلى السماء ولكن، ليست المعاني التي تقوم في قلبه هي تلك المعاني التي تقوم في قلوبهم، إنه يتذكر الموقف الذي يشغله طيلة حياته ويمني نفسه به، إنه رؤية ربه يوم القيامة، فينتقل بمن معه إلى حيث مشاعره وأحاسيسه فيقول :" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته " . إنه يربيهم بقوله وتعليمه ويذكرهم بأن ثم هناك مكافأة عظيمة تنتظر المؤمنين بربهم، ويربيهم على التفكر والتأمل في كل ما يرونه ويربطونه بأمر آخرتهم، إنه يعمق مفهوم اليوم الآخر والرغبة والرهبة، فتتحرك نفوسهم رغبة في رؤيتة وتشفق وتخاف أن لا تراه وبالأخص إذا أعقب بذكر حال الكافرين بأنهم عن ربهم في ذلك اليوم محجوبون محرومون من رؤيته(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ([67]. وهو كذلك يضرب مثل المحب المتشوق لرؤية محبوبه الذي لا يفتأ يذكره ولا يغيب عن مخيلته .

إنهم بلا شك سيتذكرون كل تلك المعاني في كل مرة يرون فيها البدر مكتملًا، خصوصًا إذا تلقوا ذلك الدرس بنفس تلك الطريقة . إنه سيكون رادعًا لهم عن الكثير من الذنوب، ومحفزًا لهم على فعل كثير من الطاعات وذلك إن أحسن المربي إيصال تلك الرسالة .

ثم هو مسؤول عن يصال بعض المعاني المرتبطة بالحديث وتوضيحها حتى لا يقع المتربي في خلل أو خطأ عقدي، إذ ليس المقصود في الحديث هو تشبيه الله عز وجل بالقمر ولكن تشبيه كيفية رؤيته بكيفية رؤية الله تعالى، فالرب في علو وحجابه نور وهو نور، والقمر كذلك في علو وفيه نور، وفرق بين علو وعلو ونور و نور ( يقول شيخ الاسلام ابن تيمية :"كما يرون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته " وهذا لفظ حديث عن رسول الله r. أنهم يرونه كما يرون الشمس في الوضوح والجلاء والظهور وعدم الخفاء فليس فيها غموض، والتمثيل بالشمس والقمر المقصود به تمثيل الرؤية بالرؤية في الوضوح وليس تشبيه المرئي بالمرئي ) [68]والقمر يستطيع أن يراه الكل وهو في مكانه لا يغطي بعضهم على بعض ولا يجتمعون في مكان حتى يرونه وكذلك رؤية الله عز وجل (( لا تضامون في رؤيته ) بضم التاء وتخفيف الميم أي : لا يلحقكم ضيم، أي ظلم بحيث يراه بعضكم دون بعض . وروي بفتح التاء تشديد الميم، من التضام، أي لا ينضم بعضكم إلى بعض لأجل رؤيته . والمعنى على الروايتين: أنكم ترونه رؤية محققة كل منكم يراه وهو في مكانه) [69]

وهم في هذه الرؤية يتفاوتون كل بحسب إيمانه . وختم وقفته بقوله : " فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا " مما دل على أن الوصول لهذه الرؤية بالعمل وليس بالتمني، ومن هذا العمل الحفاظ على تلك الصلاتين ( قال بعض العلماء إن المناسب في هذا أن الصلاة هي أفضل الأعمال، وأفضل الصلاة هاتين الصلاتين، فناسب أن يكون جزاء هاتين الصلاتين أن ينظروا إلى الله جل وعلا بكرة وعشيًا، ويقولون : هذا الذي يشير إليه قوله r:" فإن استطعتم أن لا تغلبوا عل صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".) [70]

والمواقف كثيرة ولعلنا نختم بهذا الموقف التربوي الإيماني، وبأروع ما فيه وهو رؤية الله تعالى ، لتبقى صورته المشوقة عالقة في الاذهان .

مشكله : أين حلها ؟

" بعد سرد تلك المواقف وتصوير دور المربي فيها نجد أنفسنا أمام مشكلة لابد من حلها، وعثرة لابد من تجاوزها وعقبة يلزمنا تخطيها..

إذ أن القائم بعملية التربية الإيمانية والقلبية – وهو المربي – ليس كأي مربٍ يمكنه ان يؤدي دوره ، فيأخذ المتعلمون منه الحسن ويتركون القبيح .

ولكن المربي في هذا المجال لابد أن يتصف هو ذاته بالصلاحية القلبية والنفسية ، التي على أساسها يستطيع أن يؤثر في غيره .

يجب أن يكون سليم القلب حتى يستطيع أن يوصل للمتعلمين سلامة القلب، ويجب أن يكون صحيحًا من أمراض القلوب حتى يستطيع أن يعالجها عند غيره من المرضى، كذلك ينبغي أن تكون لديه طاقة العطاء التي بها وعلى أساسها يرى الخير في قلب غيره ويعينه علي تزكية نفسه، تلك الطاقة المفقودة التي تكاد أن تكون هي السر في فشل المربين .

إن القيام بعملية التربية الروحية الإيمانية ليس قيامًا بعملية تدريسية تعليمية جافة، ينتهي درسها بانتهاء وقت شرحها للمتعلمين، ولكنها سكينة وطمأنينة، وحب علم وخشوع، ورجاء و انابه تتدفق على المتربي، فيضيء قلبه وتزكو نفسه بنور العلم والهدى .

وهي عمليه يقتدي فيها المتربي بالقدوة في أمور أخرى كثيرة غير تلك الدراسة النظرية التي يتعلمها منه، فيقتدي به فيخوفه من ربه، في حبه لعبادته ، في إخلاصه لكلمة التوحيد، في تجريده للعمل لله، في توبته المستمرة، في انابته الدائمة، في كثرة ذكره لله وتعلقه بالقرآن، في بذله لدعوته وعطائه لها وفي زهده للدنيا وتقلله منها، في استعلائه على الملذات والشهوات، في مراقبته لله تعالى، في تضحياته لله وسعيه لبذل نفسه وماله لله عز وجل .

إن المتربي ليشعر بخواء مربيه من الطاقة الإيمانية والدافعية القلبية والروحية ، التي يمكنه أن يستقي منها الخير .

يشعر ان مربيه يخرج الكلام من لسانه، لا من قلبه، يشعر أن مربيه يعلمه الإيمان بكلمات لا روح لها ولا حلاوة .

فكيف يقتدي الشباب بقدوات هذا حالهم ومن سيربي الاجيال اذا دب النقص إلى المربين؟!!"[71]

الخاتمة

بتلك الإلماحات اليسيرة أختم هذه الوريقات القصيرة، عن التربية الإيمانية للمراهق وكيف ينبغي أن تكون، وآيات القرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بالدروس الإيمانية وهي بمجملها صالحة لأن يتربى عليها المراهق ومناسبة له،ومن المؤسف أن يتخرج الشاب أو الشابة من مدرسة والديه التربوية ولم يتعلم منهما هذا الإرث العظيم الذي يشيد به إيمانه ويعلي به بنيانه، معتمدًا على ما يلقنه إياه معلمه في المدرسة أو يقرأه ويسمعه من هنا أو هناك كيفما اتفقت الطريقة، فلا قام الوالدين بواجبهما أمام الله ولا أمام أبنائهما .

والجدير بصاحب القلب الحي والضمير اليقظ ومن سيقف موقف المحاسبة يوم القيامة والسؤال، أن يأخذ بزمام تربيته لأبنائه بيده غير معتمد على أحد، و يبدأ بتربيته لنفسه إيمانيًا حتى يكون أهلًا لتلك المسؤولية العظيمة، فإن أبناءنا بحاجة شديدة لنا وقد ملوا كثرة مواعظنا وتذكيرنا غير المدروس أو المخطط له،فيجدر بنا أن نتوقف قليلًا، ونفتش عن موطن الخلل في طريقتنا ونعيد ترميم إيماننا وأساليبنا وبنائهما من جديد، فالتربية الإيمانية حكاية طويلة تبدأ من حين تشتعل جذوة الإيمان في نفس المربي نفسه، وتنتهي بالوصول بمن نربيهم إلى ذلك المستوى المطلوب .

ولا أسعد من لحظة يرى فيها المربي ثمرة فؤاده قويًا في إيمانه ثابتًا على قيمه ومستقلًا في شخصيته، مؤثرًا فيمن حوله وقادرًا على مواجهة حياته بكفاءة عالية.

إن السعادة كل السعادة أن نرى أبناءنا مؤمنين

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المراجع :

1. القرآن الكريم .

2. زاد المسير في علم التفسير للإمام أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي المتوفي سنة 597هـ - خرج آياته وأحاديثه أحمد شمس الدين – المجلد السادس أول سورة الفرقان آخر سورة الصافات – توزيع مكتبة دار الباز عباس أحمد الباز – دار الكتب العلمية بيروت – لبنان . الطبعة الأولى 1414هـ - 1994هـ

3. إيقاظ الهمم المنتقى من جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم للحافظ أبي الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد السلامي الشهير بابن رجب الحنبلي ( 736 -795هـ ) بقلم أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي ، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة ، ربيع الثاني ، 1417هـ - 1996م

4. كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ، خرج أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني ، أشرف عليه زهير الشاويش ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الخامسة 1416هـ - 1996م .

5. فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني" 773 - 852هـ "، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي ، قام بإخراجه وتصحيح تجاربه : محب الدين الخطيب ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان .

6. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

1307-1367هـ ، مقدمه فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل ، فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين ، اعتنى به سعد بن فواز الصميل ، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، محرم 1425هـ .

7. المجموع الفريد ، شرح كتاب التوحيد ، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، لأصحاب الفضيلة : عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، محمد بن صالح العثيمين ، صالح بن فوزان الفوزان ، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع ، القاهرة ، الطبعة الأولى، 1426 – 2005م

8. شرح العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله - ، تأليف الدكتور صالح بن عبد الله الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء بالرياض ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع لصاحبها سعد بن عبد الله الرشيد ، الرياض ، الطبعة السابعة 1419هـ - 1999م

9. السبائك الذهبية بشرح العقيدة الواسطية لفضيلة الشيخ المحقق العلامة عبد الله بن محمد الغنيمان ، دار ابن الجوزي للنشر التوزيع ، الطبعة الأولى. 1430 هـ .

10. لسان العرب، للعلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري ، دار الفكر .

11. المنجد في اللغة العربية المعاصرة ، دار المشرق ، بيروت ، الطبعة الثانية 2001

12. لذة العبادة ، تأليف خالد السيد روشة ، تقديم د. أحمد فريد ، الدار العلمية للنشر والتوزيع ، الصفا والمروة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ،1426هـ - 2005م .

13. علم نفس النمو الطفولة والمراهقة .د. حامد عبد السلام زهران أستاذ الصحة النفسية وعميد كلية التربية جامعة عين شمس سابقاً ، عالم الكتب ، نشر – توزيع – طباعة ، مكتبة العبيكان . الطبعة السادسة 1425هـ 2005م .

14. منهج التربية النبوية للطفل تقديم الدكتور محمد فوزي فيض الله ، الشيخ عبد الرحمن حسن حنبكة ، الشيخ أحمد القلش ، بقلم محمد نور سويد ، الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة.

15. تربية الشباب الأهداف والوسائل ، تأليف محمد بن عبد الله الدويش ، دار الوطن للنشر ، الطبعة الأولى ، 1423هـ - 2002م

16. الشعور الديني عند المراهق .. عثمان جمعة ضميرية مجلة البيان العدد 37 ص 59 -60

17. تخريج الأحاديث من موقع الدرر السنية بتاريخ 27/3/1431 هـ



[1] صحيح البخاري (5200).

[2] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (20650), والطبراني في المعجم الكبير(8764) أعله الألباني بالأنقطاع .

[3] فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 – 852هـ) ( كتاب الأحكام)، باب قول الله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )، (13 /113) دار المعرفة بيروت: لبنان

[4] سورة التحريم :6

[5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (1307 – 1367هـ) (ص: 1036) دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع.

[6] فتح الباري شرح صحيح البخاري، (كتاب النكاح) (9 /113) .

[7] فتح الباري شرح صحيح البخاري (كتاب التفسير) (8 / 659) .

[8] الطور: 21 .

[9] الرمز: 15 .

[10] النحل: 97 .

[11] لسان العرب، لابن منظور, مادة: ربا (14/304 ), دار الفكر .

[12] لسان العرب لابن منظور، مادة ربا (14/ 307)

[13] المنجد في اللغة العربية المعاصرة، مادة " ربى " (531) دار المشرق بيروت .

[14] منهج التربية النبوية للطفل بقلم محمد نور سويد (20) .

[15] شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - تأليف الدكتور صالح بن عبد الله الفوزان مكتبة المعارف للنشر (ص: 170).

[16] صحيح مسلم (35) .

[17] صحيح البخاري(4777), صحيح مسلم(8). (فائدة: واختص الإيمان في حديث جبريل بالأعمال الباطنة ذلك أن حديث جبريل قد اشتمل على الإسلام والإيمان معاً والإسلام والإيمان إذا اجتمعا دل الإسلام على الأعمال الظاهرة والإيمان على الأعمال الباطنة ؟ وإذا افترقا دل كل منهما على الأعمال الظاهرة والباطنة معاً)

[18] صحيح البخاري (52), صحيح مسلم (1599)

[19] كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية (11) طبعة المكتب الإسلامي.

[20] لسان العرب ابن منظور: مادة : " رهق " (10/13).

[21] المنجد في اللغة العربية المعاصرة: المادة " رهق " (ص: 591)

[22] علم نفس نمو الطفولة والمراهقة .د. حامد عبد السلام زهران (ص: 337) دارعالم الكتب.

[23] علم نفس النمو الطفولة والمراهقة د. حامد عبد السلام زهران (ص: 334) .

[24] الروم : 30

[25] تربية الشباب الأهداف والوسائل، تأليف محمد بن عبد الله الدويش (ص: 28-29-30) دار الوطن .

[26] الشعور الديني عند المراهق.. عثمان جمعه ضميريه مجلة البيان العدد 37 (ص: 59– 60)

[27]لقمان : 13 .

[28] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 761 – 762) .

[29] لقمان 14

[30]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 762)

[31] لقمان: 15

[32] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 762)

[33] لقمان : 19 – 13

[34] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 762) .

[35]زاد المسير في علم التفسير للإمام أبي الفرج ابن الجوزي (ت: 597 هــ) (6 /170) – دار الكتب العلمية بيروت.

[36] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 288)

[37] الكهف :14

[38] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 542)، باختصار .

[39] الصافات: 102

[40] زاد المسير في علم التفسير (6/ 314)

[41] على قول من يقول أنه إسماعيل إذ ثمة خلاف في كونه إسماعيل أو سحاق وكل له دليله .

[42] تربية المراهق في رحاب الإسلام، تأليف/محمد الناصر(ص: 305 – 303) باختصار, طبعة دار المعالي، الإصدار الثالث.

[43] مسند أحمد (4437) حسن إسناده شعيب الأرنؤوط.

[44] لذة العبادة: (تأليف/خالد السيد روشة) (ص: 180) الدار العلمية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية.

[45] صحيح البخاري (4771)

[46] المجموع الفريد، شرح كتاب التوحيد (1/382)

[47] المجموع الفريد، شرح كتاب الوحيد (1 /383)

[48] المجموع الفريد، شرح كتاب التوحيد (1 / 388-386)، بتصرف

[49] الفرقان :58

[50] صحيح ابن حبان (620) صححه الشيخ شعيب.

[51] السجدة : 16

[52] سنن الترمذي (2516) صححه الألباني.

[53] البقرة 40 .

[54] البقرة152 .

[55] صحيح البخاري (7405).

[56] ق:32 - 33

[57] إيقاظ الهمم المنتقى من جامع العلوم والحكم (ص:282)دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

[58] النور : 30

[59] الأحزاب : 35

[60] الرعد :250

[61] إيقاظ الهمم المنتقى من جامع العلوم والحكم (ص: 282 – 287)، باختصار

[62] إيقاظ الهمم (ص :292)

[63] صحيح مسلم (2653).

[64] الحديد : 22

[65] صحيح مسلم (2664)

[66] صحيح البخاري (7434)

[67] المطففين : 15

[68] السبائك الذهبية بشرح العقيدة الواسطية للعلامة عبد الله بن محمد الغنيمان, (ص:327)، دار ابن الجوزي.

[69] شرح العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله – للدكتور صالح الفوزان (ص: 113)

[70] السبائك الذهبية (ص:331)

[71] لذة العبادة . ص 16 – 17 باختصار وتصرف .

   طباعة 
0 صوت
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي