طباعة اضافة للمفضلة
نداءات قرآنية ونبوية للمرأة المسلمة
3739 زائر
02-11-2013
د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي


بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات قرآنية ونبوية للمرأة المسلمة


إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد :

فإن الله تعالى قد أكمل الدين, وأتم النعمة على هذه الأمة , ورضي لها الإسلام ديناً فجاء مشتملاً على العقائد الصحيحة, والشرائع العادلة, والأخلاق القويمة، والآداب الرفيعة. وكل ذلك ثابت محرر مبثوث في مثاني كتاب الله , ودواوين السنة النبوية الصحيحة.

كما أن سيرته صلى الله عليه وسلم العطرة خير شاهد على ذلك، قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب (20). فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه, وأدب صلى الله عليه وسلم أصحابه وصاحباته رضوان الله عليهم وعليهن، بأدب القرآن، فكانوا خير أمة أخرجت للناس رجالاً، ونساءً.

وقد رأيت أن أولى ما يساق للمرأة المسلمة المعاصرة ما نادى به تعالى أمهات المؤمنين، وما نادى به رسوله صلى الله عليه وسلم نساء المهاجرين والأنصار؛ فخير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد.

ولا تزال هذه النداءات، والآداب، والتوجيهات، قائمة، مطلوبة، مُلِحَّة في هذه الأزمان التي اشتدت فيها حملات (التغريب) و (التشريق) لاستزلال الأمة المسلمة عن دينها، وإذابتها في صهريج (العولمة)، ونزع الصفة المميزة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران : 110]، وتلويث (صبغة الله) التي صبغ الله بها عباده المؤمنين: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة : 138].

وقد لَفَتُّ نظر المرأة المعاصرة في كل مقام إلى ما جد في هذا الزمان، وحاولت ربط هذه النداءات بواقعها المعاش، لتشعر بعظيم أثرها، وشدة الحاجة إليها. والله الموفق.

1- {اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} آل عمران43

قال ابن كثير –رحمه الله- (أخبر تعالى عن الملائكة أنهم أمروها بكثرة العبادة، والخشوع، والركوع، والسجود، والدأب في العمل، لما يريد الله بها من الأمر الذي قدره الله وقضاه، مما فيه محنة لها، ورفعة في الدارين)[1]

تحتاج المرأة، كما الرجل، حاجةً فطرية إلى العبادة، فلا تسكن النفس، ولا يطمئن القلب، ولا يعتدل المزاج، إلا بالإيمان بالله، المعبر عنه بالشعائر التعبدية، وأجلُّها، وأشرفها الصلاة، ذات الركوع والسجود وطول القيام. فيأنس العبد بربه، ومناجاته، ويبثه حاجاته. ويزداد أنساً وسلوة حين يشعر أنه عضو في جماعة المصلين، الذين يشاركونه الإيمان والعمل الصالح، فلا يستوحش من قلة الرفيق، وخلو الدرب؛ فيركع مع الراكعين.

آثار العبادة :

تنتج العبادة آثاراً حميدة متنوعة في نفس المرأة المؤمنة، منها:

أحدها: الشعور بمحبة الله ورضاه, وحصول الولاية الخاصة: ولا ريب أن هذا الشعور الكريم يسكب في النفس من المعاني الشريفة، والصلة الحميمة ما يثمر السعادة القلبية.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)[2]

الثاني: صفاء النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر: وهو قدر زائد على ما مضى، وأثر من آثاره؛ فإن الشعور الإيجابي بالصلة بالله يجلو غبش النفس، ويسكن اضطراب القلب، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : 28]، وقال: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر : 22]. وعن أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)[3]

قال ابن القيم -رحمه الله-: (سمعت شيخ الإسلام أبن تيمية قدس الله روحه يقول: أن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني. إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، ونحو هذا. وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ما شاء الله! وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه. ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" وعلم الله، ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط! مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها. ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرهم نفسًا. تلوح نضرة النعيم على وجهه. وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض، أتيناه، فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا، وقوة، ويقينًا، وطمأنينة. فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من روحها، ونسيمها، وطيبها، ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة إليها.

وكان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف. وقال آخر: مساكين أهل الدنيا! خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها ؟ قال: محبة الله تعالى، ومعرفته، وذكره، أو نحو هذا. وقال آخر: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربًا. وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب)[4]

ومن تأمل في حال الصالحات، القانتات، الحافظات للغيب، رأى ذلك جلياً.

الثالث: القدرة على تحمل المصائب, والرضا بقضاء الله: في النفس هلع وجزع طبعي، وشح نفسي، كما قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج : 19 - 23]، وقال: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء : 128]

ولعل للنساء النصيب الأوفر من هذا الضعف البشري، فلهذا يكثر فيهن النوح والتسخط. قال صلى الله عليه وسلم: (النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ)[5] ،

فلهذا أمرهن صلى الله عليه وسلم بأنواع القرب المقوية للقلوب من جهة، المكفرة للسيئات من جهة أخرى، كما أمر الله جميع عباده المؤمنين بقوله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة : 45]. فأحال الله إلى مصدرين للقوة: أحدهما: طبعي جبلي، وهو الصبر، والثاني: كسبي إيماني وهو الصلاة. فإذا اجتمعا حصل غاية المطلوب.

عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: (مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ؟) قَالَتِ: الْحُمَّى، لاَ بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا. فَقَالَ: (لاَ تَسُبِّى الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ)[6]

ومن أروع الأمثلة على استعانة المرأة المؤمنة العابدة بالصبر على المصائب، ما رواه عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: إِنِّى أُصْرَعُ، وَإِنِّى أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِى. قَالَ: (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ) قَالَتْ: أَصْبِرُ. قَالَتْ فَإِنِّى أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَا)[7]

وفي هذه الأزمنة التي أطبقت فيها الغفلة المادية، واللهو الدنيوي على عامة بني آدم، لاسيما النساء اللواتي بتن وقوداً وحطبًا لهذا الاستغفال والخواء الروحي، تشتد الحاجة للعبادة، والقنوت، والركوع، والسجود.

2- { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} النساء(32)

يجري على ألسنة بعض النساء، في بعض الأحوال، كلمات تحسر، وتمنٍّ لأمور ممتنعة كونًا، باطلة شرعًا. وربما تعلق ذلك بأمر دنيوي، أو ديني. وعلى كلا التقديرين، فلا فائدة من هذه الأماني الباطلة التي لا تورث صاحبتها إلا الحسرة والندم. فلذلك أدبهن الله بهذا الأدب، وقطع عليهن هذا الخيال الفاسد.

قال ابن جرير الطبري-رحمه الله-: (يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض). وذكر أن ذلك نزل في نساءٍ تمنين منازلَ الرجال، وأن يكون لهن ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأمانيّ تورِث أهلها الحسد والبغي بغير الحق. ثم روى بسنده عن أم سلمة، رضي الله عنها، بأنها قالت: يا رسول الله، لا نعطَي الميراث، ولا نغزو في سبيل الله فنُقتل؟ فنزلت:"ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض".[8]

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي-رحمه الله-: (فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيًا مجردًا، لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك، ويسلب إياها. ولأنه يقتضي السخط على قدر الله، والإخلاد إلى الكسل، والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب)[9]

والله تعالى أعلم بمن خلق : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك : 14]، فكما أنه حكيم في خلقه، فهو حكيم في شرعه، وكما أنه فاوت بين الجنسين في الخلق بما اقتضاه خلقه وقدره، فاوت بينهما في الأحكام بما اقتضاه علمه، ولطفه. فالواجب على كل مؤمنة الرضا بما حكم الله كونًا، وشرعًا، والحذر من الاعتراضات الفاسدة التي تفوه بها بعض النساء، لا يلقين لها بالاً، وربما كان شأنها عظيماً عند الله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)[10]

وفي هذه الأزمنة التي شهدت تحولات فكرية، واجتماعية هائلة، واطُّرحت ثوابت عقدية، وأحكام شرعية قطعية، وجرت المناداة بالمساواة بين الجنسين دون تمييز، تحتاج المرأة المسلمة إلى التمسيك بالكتاب، والاعتصام بالسنة، والحذر من الانجرار إلى دعاوى المزايدين، ومتبعي الشهوات، والتربع على المنزلة التي أحلَّها الله إياها، لا وكس ولا شطط.

3- {لَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} الأحزاب (32)

هذا أدب رباني لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين، بوصفهن القدوة الحسنة، والمثل الأعلى لبقية نساء المسلمين. نهاهن الله عن الخضوع في القول؛ قال ابن كثير رحمه الله: (قال السدي وغيره: يعني بذلك ترقيق الكلام إِذا خاطبن الرجال) وأمرهن بالمعروف من القول؛ قال ابن كثير: (قال ابن زيد: قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير)[11]

لمَّا علم اللطيف الخبير مداخل الشيطان من ثغرات النفوس، وأن صوت الأنثى يقع في أذن من في قلبه مرض موقعًا شاذًا، فيحمله ذلك على الطمع بما هو أعظم من التلذذ بالصوت الناعم الرقيق، سد تعالى هذه الثغرة بنهي النساء عن الخضوع بالقول، والاقتصاد فيه كمَّا، وكيفًا، لحسم مادة الفتنة من أصلها، واجتثاثها من جذورها.

وكثير من النساء الغافلات لا تتفطن لهذا المنفذ الشيطاني في القلوب المريضة، فتتكسر في كلامها، وتتغنج، إن بقصد أو بغير قصد في حديثها مع الأجنبي، ومماكستها للباعة، وإجابتها في الهاتف، ونحو ذلك. وقد قال الشاعر الأعمى:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحياناً

فعلى المؤمنة العاقلة أن تلزم جانب الحشمة والحزم، وألا تجعل من قولها فتنة لغيرها. وتأملي يا أمة الله في أدب ابنة صاحب مدين، حين اضطرت لدعوة موسى، عليه السلام، إلى أبيها، فمشت على استحياء، وتكلمت بقدر الحاجة: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص : 25].

ويلاحظ في الآونة الأخيرة تنامي جرأة النساء على مخاطبة الرجال، والخطابة في المحافل، والمداخلات الصوتية في وسائل الأعلام، بشكل غير مسبوق في تاريخ المرأة المسلمة. وإنما كان يقع ذلك، قديمًا، لأفراد قلائل من النساء، توصف إحداهن بأنها (برزة) أو (رجلة) من النساء! مع قدر من الصون والحشمة.

4- { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الأولى} الأحزاب33

هذه دعوة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أمهات المؤمنين، ولنساء المؤمنين من بعدهن، بلزوم البيوت، والقرار فيها، واجتناب السفور، ومخالطة الرجال. قال ابن كثير -رحمه الله-: (أي الزمن فلا تخرجن لغير حاجة... ونقل عن البزار من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً:" إِن المرأة عورة, فإِذا خرجت استشرفها الشيطان. وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها"[12]

وقوله تعالى: "وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى": قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال, فذلك تبرج الجاهلية. وقال قتادة: إِذا خرجتن من بيوتكن. وكانت لهن مشية ،وتكسر، وتغنج, فنهى الله تعالى عن ذلك. وقال مقاتل بن حيان: والتبرج: أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده, فيواري قلائدها، وقرطها، وعنقها, ويبدو ذلك كله منها)[13]

لقد قرن الله بين الأمر بالقرار في البيوت، والنهي عن تبرج الجاهلية، مما يدل على أن ثَمَّ تلازمًا بين البروز من البيوت، والتبرج الجاهلي. والواقع شاهد على ذلك؛ فإن النساء الخرَّاجات الولَّاجات من طبعهن السفور، والتهتك، وقلة الحياء، ولفت أنظار الرجال. بخلاف أحلاس البيوت من الصالحات، اللواتي جبلن على الحياء والحشمة والستر. فسبحان العليم بمن خلق، الحكيم بما أمر ونهى.

وقد جرى في هذا الزمان من تبرج الجاهلية المعاصرة، ما يتضاءل عنده تبرج الجاهلية الأولى، وطفح على سطح المجتمعات المدنية الكافرة من مظاهر الخزي والعري، والتفسخ ما تقشعر له الأبدان. وأصاب رشاشه النجس، وغباره الوبيء فناء المسلمين، فالتاثت بعض نساء المسلمين بهذه اللوثة الجاهلية الخبيثة، وطرحن جلباب الحياء، وحاكين نساء الكفار في كثرة الخروج، ومخالطة الرجال في الأسواق والأعمال.

إن لله صبغة نقية صبغ بها عباده المؤمنين : (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة : 138]، وما سواها فأصباغ ملوثة؛ من جاهلية مشركية، أو يهودية، أو نصرانية، أو مادية إلحادية. وإن لهذه الصبغة الربانية آثارًا عميقة على المجتمعات الإسلامية، وعلى المرأة بصفة خاصة.

إن للقرار في البيوت، وعدم الخروج إلا لحاجة، آثارًا إيجابية متنوعة:

في الجانب النفسي: فالقرار يجلب السكينة النفسية, والعافية مما يحدثه التوسع في الخلطة، ومعافسة الحياة، والسلامة من القيل والقال.

وفي الجانب التعبدي: يتيح القرار قدراً من التفرغ للعبادة من صلاة، وذكر، وتلاوة.

وفي الجانب المعرفي: يفسح القرار مجالًا لطلب العلم؛ قراءة، وسماعاً.

وفي الجانب الاجتماعي: يمكن القرار المرأة من القيام ببر الوالدين وخدمتهما، وحسن التبعل للزوج, وتربية الأولاد.

إن مقارنة عابرة بين واقع المرأة في المجتمعات الإسلامية المحافظة، والمرأة في المجتمعات الغربية، والبيئات المتأثرة بها، لتكشف عن الفرق الهائل، والبون الشاسع بين الصورتين، وآثارهما السابقة، يتجلى معها بعض معاني منن الله في قوله: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران : 164]، وقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ. فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحجرات : 7 ، 8]

5- { وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ} النور(30)

لمَّا علم الله أن البصر من أعظم منافذ الفتنة إلى القلوب، أمر بالغض منه، وقصره عن الامتداد إلى العورات، والمثيرات. وذلك أن إرسال الطرف على عواهنه يوقعه في فخٍ لا يتمكن من الخلاص منه، وربما تمادى به الحال حتى جره إلى حمأة الرذيلة والفاحشة. فلهذا قرن الله بين غض البصر، وحفظ الفروج. والوقاية خير من العلاج.

قال ابن كثير رحمه الله: (هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات، وغيرة منه لأزواجهن؛ عباده المؤمنين، وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية، وفعال المشركات... أي: عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن. ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً...واستدلوا بحديث:" أو عمياوان أنتما ؟"...وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة-واستدلوا بحديث نظر عائشة إلى لعب الحبشة)[14]

وفي هذه الأزمنة انفهقت الآفاق أمام الأنظار، واتسعت الأحداق، وتقحمت كل حمى، وصار بوسع كل مراهق ومراهقة أن يستدعي أبجح الصور والمناظر والمقاطع، بجهاز كفِّي، وهو بين ظهراني أهله دون أن يشعر به أحد أو يرتاب! فيورث هياجًا، وسُعارً ربما لا يطفئه إلا التلطخ بالمعصية، أو العيش في توتر وصراع مرير. فصدق عليه قول القائل:

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا... لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر... عليه ولا عن بعضه أنت صابر

فما أحوج المرأة المسلمة إلى هذه الوصية، لتتفادى الآثار الوخيمة. قال ابن القيم:

(والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع. وفي هذا قيل:"الصبر على غض البصر أيسر من ألم ما بعده.

5- {مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ} متفق عليه.

وهذا شامل للرجال والنساء. وقد كان تحصيل العلم في أوقات خلت عسيراً على النساء، ففشا فيهن الجهل، وقلَّ العلم. وحين شعرت المؤمنات الأُوَل من نساء المهاجرين والأنصار، بعدم تساوي الفرص، أخذن بزمام المبادرة، وسعين من سد الخُلَّة، وتعويض الفوت. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ: ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: (اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا). فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاَثَةً إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللهِ! اثْنَيْنِ ؟ قَالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ) رواه البخاري[15]

وفي رواية عنه أيضاً: (غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ! فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ) الحديث [16]

وفي هذه الأزمنة الأخيرة، تيسرت سبل التحصيل، وتنوعت، ولم يعد لأحد عذر! فانخرطت النساء في المدارس، والمعاهد، والجامعات، بأعداد تفوق الرجال، في بعض النواحي. وصار بإمكان المرأة حضور حلق العلم، والدورات الشرعية المنهجية، أو متابعتها صوتًا وصورة. وبات سؤال أهل العلم متاحاً عبر الوسائط الحديثة، فتفقهت النساء، وضاهين الرجال في الرتب العلمية. والحمد لله رب العالمين. قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر : 2]

شبهات وتنبيهات :

غير أنه علق في بعض العقول شبهات مزمنة، ولوثات موروثة، ينبغي للمرأة المؤمنة التنبه لها، والحذر من الوقوع في شراكها. منها:

1- استدلال بعض المُجهِّلة بآية {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} المائدة(101) على ترك السؤال، والبقاء على الحال: وهذا استدلال باطل، مناف لأصول الشريعة المبنية على طلب العلم والبيان، والبعد عن التجهيل والضلال.

عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِى سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِى رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِى رُخْصَةً فِى التَّيَمُّمِ ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ. فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: (قَتَلُوهُ! قَتَلَهُمُ اللَّهُ. أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا! فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ. إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ ». أَوْ « يَعْصِبَ ». شَكَّ مُوسَى « عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) رواه أبو داود[17] وصححه الألباني، دون قوله: إنما كان يكفيه ...

2- ضرب أقوال أهل العلم بعضها ببعض: تعمد بعض النساء إلى استطلاع أقوال جملة من المشايخ وطلبة العلم في المسألة الواحدة، وإيراد حجج بعضهم على بعض بطريقة أقرب إلى الجدل المذموم منها إلى تحرير المسألة تحريرًا علميًا، مما يورثهن بلبلةً ذهنية، ويولجهن معمعةً فقهية، وقلقًا مستمرًا. وهذا مسلك غير حميد. فينبغي للمستفتي أن يسأل من يثق بدينه وعلمه، ويعمل بقوله. فإن بدا له لاحقًا أن غيره أسعد بالدليل تبعه، ولم يضره اجتهاده السابق. ومقام طلب العلم، وتحرير المسائل، يختلف عن مقام الاستفتاء، ولكل مقام مقال.

3- الحذر من تتبع الرخص، وفتاوى المتساهلين: ينبغي للناصح لنفسه، المحتاط لدينه، أن يجعل إصابة الحق، ومرضاة الرب أكبر همه في سؤاله، واستفتائه. وبعض النساء تلتقط شواذ الفتاوى، وتُشيد بأنصاف المتعلمين من المفتين، وتمجِّد تيسيرهم وسماحتهم، مع علمها بأن غيرهم أعلم منهم، لموافقة ذلك هوى في نفسها! ولا يغني ذلك عنها شيئًا، فالله أعلم بالسرائر.

6- (تصدقن وأكثرن الاستغفار) متفق عليه.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}البقرة(245)

إن من رحمة الله بعباده، ولطفه بإمائه، أن شرع لهن من المكفرات ما يُعفي آثار السيئات، ويرفع الدرجات. ولمَّا كان جنس النساء أسرع إلى الوقوع في بعض المحرمات كُن أحوج إلى خصوص بعد عموم، وتأكيدن وتحضيض. ومن شواهد ذلك:

عن ابن عباس قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطرٍ أو أضحى، فصلى العيد، ثم خطب، ثم أتى النساء، فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة. وفي رواية: ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء، معه بلال، فقال: " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك" الآية، ثم قال حين فرغ منها: (آنتن على ذلك ؟) فقالت امرأة واحدة منهن، لم يجبه غيرها: نعم. قال: (فتصدقن). فبسط بلال ثوبه، ثم قال: هلمَّ لكنَّ فداء أبي وأمي. فيلقين الفتخ، والخواتيم في ثوب بلال. وفي رواية: فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال.[18]

وعن عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في خطبة النساء: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ)، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِى لُبٍّ مِنْكُنَّ). قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: (أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ. فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ. وَتَمْكُثُ اللَّيَالِىَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِى رَمَضَانَ. فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ) [19]

قال الإمام أبو عبد الله المازري- رحمه الله-: (قوله صلى الله عليه وسلم: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" تنبيه منه صلى الله عليه و سلم على ما وراءه, وهو ما نبه الله تعالى عليه في كتابه بقوله تعالى "أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" البقرة(282) أي إنهن قليلات الضبط)[20]

وقال الإمام النووي -رحمه الله- عن نقصان الدين-: (أن الطاعات تسمى إيمانًا ودينًا... من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه. ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به... وقد يكون على وجه لا إثم فيه... وقد يكون على وجه هو مكلف به)[21]

وقد كثرت النفقات، والاستهلاكات، والرفاهيات، في هذا الزمان، وصار ما يخرج لله نزر يسير. وربما كانت النساء أوسع في باب التبذير من الرجال، لما نُشِّئن عليه من الحلية، وسرعة الاستهواء. فكان لزامًا على المرأة المؤمنة المعاصرة أن تتفطن لما يبقى ولا يفنى، وأن تفرق بين (القيمة) و(الزينة)، وتبتغي إلى ربها (الوسيلة) بالصدقة المبرورة.

خاتمة:

إني لأعلم للشباب نزوة للجواد كبوة...وأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي..وأن كل بني آدم خطاء. لكن: خير الخطائين التوابون . فالتوبة تغسل الحوبة. والله يغفر الذنوب جميعاً, ويقول تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الزمر(53-58)

وفي الحديث القدسي: "يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم"[22]

تذكري أختاه:

قوله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ. سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) إبراهيم(48-50)، وقوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) طه 108

أتراك تهمسين، ذلك اليوم بغيبة أخت غافلة، أو معلمة ناصحة, تخوضت في عرضها ؟ أم بحكاية فيلم هابط أو حوار مسف مما يتقيؤه من يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟ أو بمغامرة عاطفية مارست بعض فصولها في الهاتف، أو السوق، وكنت فيها من حبائل الشيطان ؟ لا والله . بل إن أولي العزم من الرسل صلوات الله عليهم لا يملكون إلا أن يقولوا : اللهم سلم سلم...فآنظري ما تقولين في مقام (وعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) طه (111-112) .

أسأل الله أن يحفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، وعلى جنوبنا، وأن يهدينا لأحسن الأعمال والأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيء الأعمال والأخلاق، فإنه لا يصرف سيئها إلا هو. والحمد لله رب العالمين.

كتبه: د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي



[1] تفسير القرآن العظيم( ج1 -ص446) لابن كثير طبعة دار الفكر

[2] صحيح البخاري (8 / 131)

[3] صحيح مسلم (1 / 140)

[4] (الوابل الصيب - (1 / 67)

[5] صحيح مسلم ـ (3 / 45)

[6] صحيح مسلم (8 / 16)

[7] صحيح مسلم (8 / 16)

[8] جامع البيان في تأويل القرآن (المعروف بتفسير الطبري)ج8ص260-261 طبعة الرسالة

[9] تيسير الكريم الرحمن في تفسير القرآن ص167 طبعة الرسالة

[10] صحيح البخاري ـ حسب ترقيم فتح الباري - (8 / 125)

[11] تفسير ابن كثير ج3ص583

[12] مسند البزار (2065),صحيح ابن خزيمة (1685),والمعجم الكبير للطبراني (9368) وصححه الألباني.

[13] تفسير ابن كثير ج3 ص583

[14] نفس المصدر السابق ج3ص344-345بأختصار

[15] صحيح البخاري (9 / 124)

[16] صحيح البخاري (1 / 36)

[17] سنن أبي داود (1 / 132).

[18] البخاري في عدة مواضع (89-977-979)

[19] صحيح مسلم (1 / 61)

[20] شرح النووي على مسلم (ج2ص66-67)دار أحياء التراث العربي.

[21] نفس المصدر السابق

[22] مسلم(2577)

   طباعة 
2 صوت
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي