طباعة اضافة للمفضلة
الثقافة الحقوقية
2591 زائر
19-02-2013
د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الثقافة الحقوقية

الحمد لله وحده. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

صليت ، أنا وصاحب لي، يشغل منصباً قيادياً في وزارة الشؤون الاجتماعية، في أحد المساجد، فإذا بعربة يستقلها معاق إعاقةً شديدة، بدا كنصف إنسان، جبره الله، قد استعاض عن أطرافه السفلية، ببدائل إسفنجية، تنتهي إلى صف المسجد.وبعد انقضاء الصلاة عاد أدراجه مع مرافقه، ليركب معه. ولاحظ صاحبي الفاضل، بحسه الإيماني، والوظيفي الموقف، فتقدم إليه، وحياه، وهش له، وبش، وزوده ببطاقته الوظيفية، داعياً إياه إلى الاتصال به ليسعى في توفير سيارة خاصة، تناسب احتياجاته الخاصة. وهمس في أذني إن كثيراً من هؤلاء المبتلين لا يعلمون بأن من حقوقهم المدنية الخالصة أن يطلبوا توفير احتياجاتهم من الوزارة المعنية، وربما ظنوا أنها حق للفقير دون الغني، فأمضوا أعمارهم في معاناة وعنت.

انقدح في ذهني أننا بحاجة إلى نشر (ثقافة حقوقية) يبصر فيها جميع أفراد المجتمع ما توفره لهم الدولة من تسهيلات. وتذكرت صوراً وقفت عليها في المجتمعات الأوربية، فيما يسمى بـ (البنفت) و (والول فير)، تلتزم فيها الحكومات بتوفير ما يحتاجه كل أحد من الحد الأدنى من أسباب العيش الكريم. وقلت في نفسي: ألسنا (أمة الحقوق)، ألسنا (خير أمة أخرجت للناس)، أليس فينا عمر، رضي الله عنه الذي قال: (لو أن بغلةً عثرت بأرض العراق لخشيت أن الله يسألني عنها لمَ لمْ أصلح لها الطريق)؟!

ما من مجتمع مدني إلا ويقيم عقده الاجتماعي على حزمة من الحقوق والواجبات، تضبط علاقاته، وترتب أولوياته. ونحن، أهل الإسلام، قد سبقنا العالمين في إرساء هذه الحقوق، والالتزام بالواجبات، بوحي من الله، وضمانة من شرع الله.

والعجب أن هذه الحقوق المتبادلة تبتدئ فيما بين العبد وربه! ففي حديث معاذ المشهور: (كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِه شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ : لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) متفق عليه. غير إن الحق الذي أوجبه الله على نفسه، أوجبه تفضلاً، ورحمةً بعباده، خلافاً للمعتزلة، كما قال ابن القيم، رحمه الله:

ما للعباد عليه حق واجب هو أوجب الحق العظيم الشأن

إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضـــله والفضل للديان

كما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم جملةً من الحقوق والواجبات المتبادلة في خطبته الشهيرة يوم عرفة، في حجة الوداع، ومنها الحقوق الزوجية، فكان مما قال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ) رواه مسلم.

وقال في حق الولاة: (يا أيها الناس اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا وان أمر عليكم عبد حبشي مجدع، ما أقام فيكم كتاب الله عز و جل) رواه أحمد والترمذي والنسائي، وإسناده صحيح على شرط مسلم

يمارس بعض الأزواج تجهيلاً على زوجته في حقوقها الشرعية؛ من حيث النفقة، والعشرة، ويبتز آخرون زوجاتهم في مسائل الخلع، بطرق غير شرعية، ويلوح آخرون بالتهديد (بسحب) الأطفال، وحرمان النفقة، في حال وقع طلاق، ويضطرونهن إلى أضيق الطرق، بسبب الجهل بالحقوق.

يقع كثير من المرضى في إهمال فظيع، وربما ارتكبت في حقهم أخطاء مصيرية، غير مبررة، وربما جرى التعدي على خصوصياتهم، دون أن ينبسوا ببنت شفة! كل ذلك بسبب جهلهم بحقوقهم التي كفلها لهم الشرع والنظام المستمد منه.

وقد يتوجس بعض (الموسوسين) ويظن إن إشاعة الثقافة الحقوقية مدعاة للتمرد، أو الخروج على النظام العام! والحق أن توطيد هذه الثقافة من أعظم أسباب الاستقرار الاجتماعي، وتحقيق الرضا، وسكون النفوس، والبعد عن الظنون، وقطع الطريق على المغرضين. فما بنيت المحاكم، ولا عين القضاة، ولا شُرِّطت الشرط، ولا لُوِّحت اللوائح، إلا لإقامة الحق، والعدل.

فينبغي نشر هذه الثقافة الواعية، التي تؤدي إلى مزيد لحمة في مجتمع التكافل، والتراحم.

ومن هنا جاءت الندوة التي ينظمها المركز مساء الإربعاء 10/4/1434، لأحد المتخصصين في المجال الحقوقي، المحامي الكريم: محمد بن أحمد الزامل، رافداً توعوياً في هذا السبيل. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

   طباعة 
1 صوت
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي