بسم الله الرحمن
الرحيم
النبي الأمي
صلى الله عليه وسلم
وصف
الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالأمي فقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}،{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ}
[الأعراف: 157- 158]. ووصف قومه العرب، الذين بعث فيهم، بالأمية، فقال: {هُوَ الَّذِي
بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}، [الجمعة: 2].
قال
الراغب الأصفهاني: (الأُمِّيُّ: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وعليه حمل:
"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ" [الجمعة/
2] ... وقوله تعالى: "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا
أَمانِيَّ" [البقرة/ 78] أي: إلا أن يتلى عليهم. قال الفرّاء: هم العرب الذين
لم يكن لهم كتاب، و (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ
فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ)، [الأعراف/ 157]؛ قيل: منسوب إلى الأمّة الذين لم
يكتبوا، لكونه على عادتهم كقولك: عامّي، لكونه على عادة العامّة، وقيل: سمي بذلك لأنه
لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه، واعتماده على ضمان الله
منه بقوله: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى)، [الأعلى/ 6] . وقيل: سمّي بذلك لنسبته إلى
أمّ القرى) المفردات في غريب القرآن: (ص: 87)
وسواءُ
كانت الأمية صفةً شخصية له، صلى الله عليه وسلم، أو نسبة لقومه، أو بلده، فإنها تعني
على كل تقدير، تعني عدم القراءة والكتابة. وهذا محل اتفاق بين المفسرين، وأرباب اللغة.
قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ
إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48]. قال الحافظ ابن كثير، رحمه الله:
أَيْ: قَدْ لَبِثْتَ فِي قَوْمِكَ -يَا مُحَمَّدُ -وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَ بِهَذَا
الْقُرْآنِ عُمرا لَا تَقْرَأُ كِتَابًا وَلَا تُحْسِنُ الْكِتَابَةَ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ
مِنْ قَوْمِكَ وَغَيْرِهِمْ يَعْرِفُ أَنَّكَ رَجُلٌ أُمِّيٌّ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَكْتُبُ.
وَهَكَذَا صِفَتُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ
فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}
الْآيَةَ [الْأَعْرَافِ: 157]. وَهَكَذَا كَانَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَخُطُّ
سَطْرًا وَلَا حَرْفًا بِيَدِهِ، بَلْ كَانَ لَهُ كُتَّابٌ يَكْتُبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ
الْوَحْيَ وَالرَّسَائِلَ إِلَى الْأَقَالِيمِ. وَمَنْ زَعَمَ مِنْ مُتَأَخَّرِي الْفُقَهَاءِ،
كَالْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
كَتَبَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ" فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ:
"ثُمَّ أَخَذَ فَكَتَبَ": وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:
"ثُمَّ أَمَرَ فَكَتَبَ". وَلِهَذَا اشْتَدَّ النَّكِيرُ بَيْنَ فُقَهَاءِ
الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا مِنْهُ، وَأَنْشَدُوا فِي
ذَلِكَ أَقْوَالًا وَخَطَبُوا بِهِ فِي مَحَافِلِهِمْ: وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّجُلُ
-أَعْنِي الْبَاجِيَّ، فِيمَا يَظْهَرُ عَنْهُ -أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ
الْمُعْجِزَةِ، لَا أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ، كَمَا قَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ إِخْبَارًا عَنِ الدَّجَّالِ: "مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ"
وَفِي رِوَايَةٍ: "ك ف ر، يَقْرَؤُهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ"، وَمَا أَوْرَدَهُ
بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى تَعَلَّمَ
الْكِتَابَةَ، فَضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو}
أَيْ: تَقْرَأُ {مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، {وَلا تَخُطُّهُ
بِيَمِينِكَ} تَأْكِيدٌ أَيْضًا، وَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الْأَنْعَامِ: 38]. وَقَوْلُهُ: {إِذًا لارْتَابَ
الْمُبْطِلُونَ} أَيْ: لَوْ كُنْتَ تُحْسِنُهَا لَارْتَابَ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنَ
النَّاسِ فَيَقُولُ: إِنَّمَا تَعَلَّمَ هَذَا مِنْ كُتب قَبْلَهُ مَأْثُورَةٍ عَنِ
الْأَنْبِيَاءِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ أُمِّيٌّ
لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ
تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الْفُرْقَانِ: 5]) تفسير ابن كثير: (6/
285- 286).
وهذا
أمر معروف مشهور عند قومه، ولهذا قالوا: "اكتتبها"، ولم يقولوا "كتبها"،
قال البغوي، رحمه الله: وَمَعْنَى ("اكْتَتَبَ" يَعْنِي طَلَبَ أَنْ يُكْتَبَ
لَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتُبُ) تفسير البغوي: (6/ 72)
وأما
الاحتجاج بدعوى: كيف يعلمهم ما لا يحسن! فدعوى ساقطة، فإنه، بأبي هو وأمي، معلم كِتاب،
لا معلم كُتَّاب، معلم إيمان، لا معلم صبيان. وهذه الدعوى لا تستند على أدلة صحيحة،
بل على أحاديث موضوعة، وفهوم موهومة، وباعثها عاطفة محمومة.
وقد
صنف الشيخ أحمد بن حجر آل بو طامي رسالة في ذلك بعنوان: "الرد الشافي الوافر على
من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر". والله أعلم.
كتبه
أ.د. أحمد بن
عبدالرحمن القاضي
17/1/1441هـ