طباعة اضافة للمفضلة
الأخذ بالأسباب
671 زائر
29-04-2020
أ.د. احمد القاضي

الأخذ بالأسباب


أقام الله نظام العالم وفق سنن كونية مطردة، منتظمة، وربط الأمور بأسبابها فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ[الرعد:11]، وقال: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)، [آل عمران:165]؛ فإلغاء الأسباب نقص في العقل، والاعتماد على الأسباب نقص في التوحيد، والأخذ بالأسباب مع التوكل على مسبب الأسباب عين التوحيد.


و الأسباب التي نصبها الله لعباده نوعان:

حسية: دل عليها العقل والتجربة والاستقراء.

شرعية: دل عليها الكتاب والسنة من أذكار وحروز وأدعية وأدوية. وما سوى ذلك تخرصات وأوهام.


فكل من أثبت سبباً، لم ينصبه الله سببًا، لا حسًا ولا عقلًا ولا شرعًا، فأقل أحواله الشرك الأصغر؛ كلبس الحلقة، والخيط، وتعليق التمائم الشركية، والأوتار، ودعاوى الاستشفاء بالطاقة الكونية، والأحجار الكريمة، وسائر الخزعبلات.


ومن أنجع الأسباب الحسية لمدافعة الأوبئة المعدية، الحجر الصحي، والعزل الاجتماعي، الذي أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، به أمته، وطبقه أصحابه في (طاعون عمواس)؛ فلا ينافي التوكل.


وكذلك، من أنجع الأسباب الحسية لدفع المرض، أو رفعه، التداوي بالأمصال، واللقاح، والعقاقير؛ كما في الحديث: (تَداوَوْا، فإنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ لم يضَعْ داءً إلَّا وضَعَ له دواءً؛ غيرَ داءٍ واحدٍ؛ الهَرَمُ)[1]. (


ومن أنفع الحروز الشرعية، المعوذتان؛ فإنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما؛ فأما(الفلق) فحرز من جميع الشرور الخارجية؛ (مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ)، ومنها الفيروسات، وأما (الناس) فحرز من الشرور الداخلية؛ (الوسواس)، الذي يعصف بالناس.


ومن أجمع الأدعية الاحترازية: (اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ العافيةَ في الدُّنيا والآخِرةِ، اللَّهمَّ إنِّي أسالُكَ العَفوَ والعافيةَ في دِيني ودُنيايَ وأهلي ومالي، اللَّهمَّ استُرْ عَوراتي وآمِنْ رَوْعاتي، اللَّهمَّ احفَظْني مِن بَينِ يَدَيَّ ومِن خَلْفي، وعن يَميني وعن شِمالي، ومِن فَوْقي، وأعوذُ بعَظَمَتِكَ أنْ أُغتالَ مِن تَحْتي)[2].


ومن أذكار الخروج من المنزل المتأكدة في هذه الأحوال : (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ أن أَضلَّ أو أُضَلَّ ، أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ ، أو أَظلِمَ أو أُظلَمَ ، أو أَجهَلَ أو يُجهَلَ عليَّ)[3]؛ فيتناول السلامة من العدوى من الجهتين.

وسيد الأسباب هو التوكل على الحي الذي لا يموت، وهو مقام شريف، يأوي فيه القلب إلى ركن شديد، وحصن حصين؛ فيعلم أنه لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئات إلا الله؛ فيحسن الظن به، ويطمئن إلى قضائه.

وبعد، فقد يتخلف المسبب عن السبب، لحكمة يريدها الرب، كما يتخلف الشفاء عن الدواء، لكن من تمسك بحبل الله، فهو في ذمة الله، وضمانه، فلا يقضي الله على عبده المؤمن قضاءً، إلا كان خيرًا له.

كتبه: أحمد بن عبدالرحمن القاضي

في: ١٦/ شعبان/ ١٤٤١هـ


[1] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (291)، باختلاف يسير، وأبو داود (2015)، واللفظ له، والترمذي (2038)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7554)، وابن ماجه (3436)، وأحمد (18454)، باختلاف يسير).

[2] أخرجه أبو داود (5074)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10401)، وابن ماجه (3871)، وأحمد (4785) واللفظ له، وصححة الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم (5074).

[3] أخرجه أبو داود (5094)، والترمذي (3427)، والنسائي (5486)، وابن ماجه (3884)، وأحمد (26616) باختلاف يسير، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (586) واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (5094).


   طباعة 
0 صوت
كرورنا , بالأسباب , جائحة , الأخذ
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي