--- 
الخلافات الزوجية : أسبابها ، وعلاجها
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده
، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من
يهده الله فلا مضل لله ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، القائل : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ،
وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم : 21 ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، القائل : (
لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً ، إن كره منها خلقاً ، رضي منها آخر ) رواه مسلم . أما بعد
:
فإن الحياةَ الزوجية مشروعُ العمر ، ومتنُ
الحياة ، نواةُ المجتمع ، وسرُ بقاء البشرية . علاقةٌ جليلةُ تنعقد بكلمة الله ،
وتحوطها أمانةُ الله . طرفاها الذكر والأنثى ، وثمرتهُا الذريةُ الطيبة ، قال
تعالى : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) النحل:
72.
وهذه الحياة يمكن أن تكون :
1- جنةً
وارفةَ الظلال ، يجد فيها المرء سَكَنه ، ويلتقط نفَسَه ، ويأوي إلى حبيبه ، في
هجير الكبد الذي خلق فيه ، والكدح الذي يجري في مضماره .
2- جحيماً
لا يطاق ، يضاعفُ همومَه ، ويزيدُ توتَره ، ويشوشُ ذهنَه ، ويكدرُ صفوَه .
3- وقتاً
هدراً ، وزمناً ضائعاَ. جسداً بلا روح ، ورسماً بلا معنى . لا تعدو أن تكون
(مأوىً) و (مطعماً) و ( قضاءَ وطر ) ، خاليةً من (السكن) و (المودة) و (الرحمة) .
والسعادة الزوجية ، حلمٌ ينشده الجميع ، وأمنيةٌ
تراود كل زوجين ، ولكن المقاصد تنال بالأسباب ، ليس بأمانِيكم ولا أمانيِّ أهلِ
الكتاب . ولا يقوم بناء السعادةِ الزوجية إلا على ركنين أساسيين :
أحدُهما : جلبُ
أسباب المودة ، واستدامتُها .
والثاني : دفعُ
أسباب الخلاف ، ورفعُها .
ومحلُ
بحثِنا في هذه المحاضرة ، في الركن الثاني ، المتعلقِ بالخلافاتِ الطارئةِ على
الحياة الزوجية ، وأسبابهِا ، وطرقِ علاجها . والله المستعان ، وعليه التكلان .
تبتدىء الحياةُ الزوجية بالتقاء روحين ، وبدنين
، ينتميان إلى تكوينات نفسية ، وعقلية ، واجتماعية ، متقاربة ، أو متباعدة . وتغمر
بهجةُ العرس ، والفرحُ بالحياة الجديدة ، جميعَ النتوءات والتباينات المختزنةِ لدى
كل منهما . حتى إذا ما هبط منسوب هذا الفيضان المؤقت ، بدت تلك الفروق الطبيعية ،
وانكشف كل منهما على صورته التي جبله الله عليها ، أو اكتسبها من أبويه ومجتمعه.
وحينئذ : إما أن يتمكن الطرفان من التوافق والتقارب، فيهنئآ ، ويسعدا، أو يتنازعا
، فيفشلا ، ويقع الفراق ، أو النكد المستديم .
وقد أرسى الإسلام قواعد العلاقة الزوجية على أسس
ثابتة واضحة ، توزع الحقوق والواجبات على طرفي عقد الزوجية ، تتمثل في جمل عامة ،
مثل :
1- ( الرجال
قوامون على النساء ) النساء : 34 . أي بالولاية والرعاية والنفقة والمسكن .
2- (
وعاشروهن بالمعروف ) النساء : 19. أي بالصحبة الجميلة ، وكف الأذى ، وبذل الندى .
3- ( ولهن
مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة ، والله عزيز حكيم ) البقرة : 228 فكما
أن على المرأة حقاً لزوجها ، فإن لها حقاً عليه. إلا إن حقه أعظم لما عليه من
القوامة .
4- ( إن لكم
عليهن ألا يُوطئن فُرَشَكم أحداً تكرهونه … ولهن عليكم رزقُهن وكسوتهُن بالمعروف )
رواه مسلم .
كما عالج الإسلام المشكلاتِ التي تعترض مسيرة
الحياة الزوجية ، ووجَّه كلاً من الزوجين في حال نشوز صاحبه ، وإعراضه ، كما وجه
الولاةَ المصلحين ، فقال :
1- (
واللاتي تخافون نشوزهن ، فعظوهن ، واهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ، فإن أطعنكم
فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً ) النساء : 34 . مخاطباً الأزواج
، واعظاً إياهم بذكر اسمين من أسمائه الحسنى ، ليعلموا أن فوقهم من له الكبرياء
والعظمة .
2- ( وإن
امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً
والصلح خير، وأحضرت الأنفس الشح ، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون
خبيرا ) النساء : 128. في جانب الزوجة ، فتتنازل عن بعض حقها في سبيل حفظ
باقيه .
3- ( وإن
خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق
الله بينهما ، إن الله كان عليماً خبيراً ) النساء : 35 . مخاطباً الحكام والقضاة
.
إن منشأ الخلاف بين الزوجين يرجع إلى أسباب
متنوعة ؛ منها ما يتعلق بالطبيعة البشرية لكل من الزوجين ، ومنها ما يتصل بمؤثرات
اجتماعية ، ومنها ما يرجع إلى الجهل بأحكام الشريعة ، والفهم الخاطىء للحقوق
والواجبات . وسوف نتناول جملة من أسباب الخلاف الزوجي الشائعة في بعض بيوتات
مجتمعنا ، كما أفصحت عنها الاستشارات ، والاستفسارات الهاتفية الكثيرة ، التي
يتلقاها طلبة العلم ، ولجان الإصلاح الأسري ، ثم نتبعُها بطرائقِ الوقاية ، أو
العلاج الممكنة .
أولاً :
الأسباب الطبْعِية :
لعل معظمُ حالات الخصام اليومي بين الزوجين ترجع
إلى الصفات النوعيةِ الخُلُقِية التي طبع عليها كل منهما . فالمرء في بيته يتعرى
من المجاملة ، والتصنع ، والتزويق التي قد يلاقي بها الأبعدين ، ويظهر على حقيقته
. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )
رواه الترمذي وابن ماجه .
ثمَّ صفاتٌ لدى بعض الأزواج من جنس : الغضب ،
الوَجد ، اللامبالاة ، بذاءة اللسان …
وصفاتٌ لدى
بعض الزوجات من جنس : الغفلة ، الإهمال ، اللجاج والجدل ، الكسل …الخ
وربما العكس
، حملها كل منهما من مسقط رأسه إلى البيت الجديد ، فأثمرت فصولاً من الخصام
والشجار اليومي ، كلما تصادمت تلك الطباع المتباينة .
العلاج : يتلخص
في أمرين :
أحدهما :
ضرورةُ مجاهدةِ المرءِ نفسَه ، وكبحِ جماحِها ، وكسرِ سورتهِا ، وتهذيبِ أخلاقِه
ورياضتِها حتى تعتدلَ ، أو يخففَ من غلوائها . قال تعالى : ( والكاظمين الغيظ
والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) آل عمران : 134 . وقال : ( وإذا ما غضبوا
هم يغفرون ) الشورى : 37 . وقال : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وإن الله
لمع المحسنين ) العنكبوت : 69 .
الثاني :
تعرفُ كلِّ طرفٍ على طبيعة الآخر ، وفهمُه له ، ومعاملتُه وفق ذلك الفهم . فيتحاشى
أسباب إثارته ، وإن بدت له تافهة ، ويتلمسَ مواطن رضاه ، وإن شقَّت عليه .
وربما كان الأزواجُ يتحملون العبءَ الأكبرَ من
العلاج ، لما يتميز به جنس الرجال ، عموماً ، على جنس النساء ، من الصبر والاحتمال
. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من
ضِلَع ، وإن أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاه ، فإن ذهبتَ تقيمَه كسرتَه ، وإن تركتَه لم
يزلْ أعوجَ . فاستوصوا بالنساء خيراً ) رواه البخاري .
ثانياً :
الأسباب الاجتماعية :
تتأثر الأسرةُ الناشئةُ بالوسط المحيط ، سلباً
وإيجاباً ، سيما أقاربِ الزوجين . فقد يقع احتكاك بين أحد الزوجين ووالدِ الآخر أو
والدتِه ، أو بعضِ إخوانِه أو أخواتِه ، فينحيَ باللائمة من حيث يشعرُ أو لا يشعر
على شريك حياته ، ويفرغَ فيه فورةَ غضبِه وحنقِه . وقد يسعى بعض أقارب الزوجين
لأسباب مختلفة ، لاستشراف الحياة الخاصة بهما ، والتدخلِ في شؤونهما الخاصة ،
فتنشأ خلافات لم تنبع من ذاتيهما ، وتكثر الأطراف، والقيل والقال،وتتعقد المشكلة.
ومن أمثلة ذلك :
- شعورُ
أمِّ الزوجِ بمزاحمة الزوجة، واستئثارِها بابنها، فتعمد إلى مضايقتِها ، وتأليبِ
ابنها عليها.
- حفزُ أمِّ
الزوجةِ لابنتها على المطالبة بمزيد من النفقة من زوجها .
- سماع أحد
الزوجين ما يسوؤه من أهل الآخر ، أو بدوُّ تصرفٍ ، غيرِ لائقٍ منهم .
والعلاج : يتلخص
في أمرين :
أحدُهما :
أن يحرص الزوجان على حفظ خصوصياتهِما ، وعدمِ بذلها لكل طفيلي مستطلع ، وأن يحيطا
حياتهما الزوجية بسور من المهابة والاحترام ، يحجز الآخرين من انتهاكها ،
بالاقتراحات والإيحاءات ، وجميعِ صور التخبيب .
الثاني : أن
يستيقن كلٌّ منهما أنه لاتزر وازرة وزر أخرى ، وأنْ ليس من العقل والدين والمصلحة
أن يجر أخطاء الآخرين إلى عقر داره ، فتتضاعفَ مصيبتُه . بل يخلع على عتبة بابه ،
وحدود مملكته جميع الملابسات الخارجية ، ولا يسمح لها أن تفسد عليه عيشه ، أو
أن يرمِ بها بريئاً . |