طباعة اضافة للمفضلة
التجنيد النسوي لتحديث مفهوم الولاية
1339 زائر
16-03-2016
بقلم د. سامية العنزي

التجنيد النسوي لتحديث مفهوم الولاية

بقلم د. سامية العنزي([1])

مفهوم الولاية من المفاهيم التي تخضع لمنهجية الفكر النسوي, لصقله بمفهوم الحداثة تحت وطأة مستلزمات المادة والحضارة, فيخرج بمشروع يؤسلم ويأسس ويؤصل لمنهجية جديدة، قابلة للتحوير والتدوير تبعا للزمن ومتطلباته.

استهدف الفكر التاريخ الحضاري والتشريعي منه, وبعلاقة تضمينية تلفيقية, حيث جعلت من حقوق الإنسان في باطنها معيارا ومقوما جديدا. ولكن من علِم ظاهر الفكر, أدرك أنها قراءة حداثية بمناهج غربية, تستحدث رؤى وأقوال جديدة, تتوافق مع العصر, رافضة التفاسير الحرفية للنص, لتسحب من تحت بساطها الإجماع في قبولها, وأنها مقولات نسبية, والعمل بها لتاريخية الحدث والسياق فقط!.

هذه الأدلجة أسست من منطلق منهجي، يوحد القضايا تحت مبدأ المساواة, ومن منطلق التشريع- كما فهمنه بزعمهن, وكما تراه فريدة البناني, لا لسيادة للجنسين(المرأة والرجل) في محيط الأسرة, بل المساواة المطلقة, والحرية الكاملة لأفرادها (انظر كتاب: الوضع القانوني للمرأة العربية, مجموعة بحوث). ومن جانب آخر, فحقوق الإنسان المعمول بها عالميا, قد حقق وضمن للجنسين المساواة. فقد نص بند السيداو ضمن منظمة حقوق الإنسان ومواثيق الأمم, فلقد ورد في المادة (16) ما نصه: " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسريَّة, وبوجه خاص تضمن, على أساس تساوي الرجل والمرأة". وفي المادة نفسها الفقرة (و): "نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم".(الأمم المتحدة: اتفاقيَّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة).

وهذا هو ما حققه التشريع الإسلامي- كما تزعم- بالمساواة المطلقة, لولا تطاول التحيز الذكوري, وإدناء المرأة من العمل به, وتهميش فاعليتها كعضو فاعل مساو للرجل, تقول منى أبو الفضل: "فالدين الإسلامي يعد من الناحية التشريعية ثورة في سبيل تأكيد حقوق المرأة، والاعتراف الكامل بدورها الاجتماعي، ولم تكن هذه التفسيرات إلا الرؤية الذاتية لمجتمعات لم يكن للمرأة فيها دورها الأنثوي, فكان من الطبيعي أن تتدنى النظرة إليها, لكن المشكلة أصبح لها خطرها عندما ساد الاعتقاد بأن هذه النظرة هي الإسلام ذاته"( كتاب, التحيز في كتابات المرأة).

ونتج عن تسول التراث الفقهي في المجتمعات- كما يزعمن ـ عدم المساواة في مسائل من قبيل الأمن المالي, والميراث, والحق في الطلاق, والحضانة والوصاية, وقوانين الجنسية, والاختيار في الزواج والموافقة عليه, والصحة والحقوق الإنجابية. (انظر, مبادرة مساواة لبناء المعرفة حول القوامة والولاية).

وعلى ضوء ذلك, فالمعمول به في الفقه والتشريع قد آت أكله, فيجب إعادة قراءته وفهمه, كما دعت لذلك فريدة البناني, وغيرها من النسويات سواء العلمانيات منهن, أو ممن ينتمين للاتجاه الإسلامي, لإعادة تفسير القرآن وأحقية المرأة في ذلك, لتستخرج ما غيبه الفقهاء الذكور من حقوق ومشاركات.

فالطابع الجديد والمفهوم المعاصر لقانون الولاية هو, المسؤولية المشتركة, أو الشراكة. فلا قوامة, ولا طلاق, ولا قسمة في الميراث, وغيره من تراتبيات وتبعات الولاية. وعلى الجملة, فغاية ما تتبناه من تلك الأطر في جميع المسائل التي تتعلق بالمرأة, والمفاهيم التي تخص قوامة وولاية الرجل, أن يسود مفهوم النوع والمساواة المطلقة, والشراكة التامة بين الجنسين, وتقويض مفهوم ولاية وقوامة الرجل على المرأة خاصة, والأسرة عامة بجميع أفرادها.

إن ما يهمنا بعد هذا الطرح, بيان الدليل من النص الشرعي الذي استند له الفكر في السجال لتأصيل منهجيته, وذلك في قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}[ التوبة: 71]. فتشير النسوية, سهام القحطاني- لولا خشية الإطالة لذكرنا الرؤى النسوية في تفسيرها- إلى أن مفرد أولياء ولي, وهو صفة يطلق بالتذكير على الرجل والمرأة، وقد يؤنث فيقال وليه، والأصح عدم تأنيثه ومشاركة نوعي المخاطب في تذكير الصفة, ومن معاني كلمة ولي (الشريك) وشموليته تعميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للرجل والمرأة... إلى أن قالت, كما تتجاوز مشاركة المرأة للرجل في الإسلام حدود التنفيذ بما فيها السياسة.(انظر: حقوق المرأة.. ليست حركة(فيمينزم), مجلة المرأة والحضارة).

وفي الإطار الابستمولوجي للنسويات, فمفهوم الولاية المعاصر, يعني المساندة والدعم المتبادل, فهذه الولاية يستقبلها النوعين/ الزوجين, على نحو متبادل من المسؤولية, ومتساو بلا استثناء أو تمييز, فينصرف مفهومها ومحتواها للدور الاجتماعي البناء الذي يقوم به كلا الطرفين.

وفي إطار مفهوم الولاية كأساس لعلاقات النوع الاجتماعي بين النساء والرجال في مجتمع المؤمنين نجد أن القرآن لا يصنف المجتمع على أساس التمييز النوعي، بل على أساس الموقف العقدي, فالمجتمع ينقسم إلى جماعة المؤمنين رجالا ونساء وجماعة الكافرين أو الفاسقين بأنواعهم رجالا ونساء، وهو تأكيد لمعنى الولاية.(انظر, الجذور التاريخية والاجتماعية لقضية النوع, رباب عاطف, ورقة بحث خاصة لموقع المنشاوي للدراسات والبحوث).

وأمام تلك الأطر الزاحفة والمجندة من قبل تلك النسويات, في رؤاهن وتفسيراتهن عن مفهوم الولاية, نكتفي بما أشرنا, ففي الجعبة مزيد مكنون, فهرطقات الفكر تتسول في مخيالهن فقط, فالحقيقة والشريعة تقف أمامها كمسلمات وثوابت لا يغيرها زمن ولا كم ولا كيف, وجوهر الإنسان ثابت صفاته ( السيكلوجية, الفيسلوجية) للجنسين, لا تغيرها مواقف, ولا متطلبات عصر.

فمفهوم الولاية كما نص عليه الفقهاء, "لغة: مأخوذة من الولي بسكون اللام ـ وهو الدنو والقرب. وولي الشيء وعليه ولاية: ملك أمره وقام به. والولاية اصطلاحًا: تنفيذ القول على الغير، شاء الغير أو أبى"(الموسوعة الفقهية الكويتية). ومن الأدلة الشرعية التي تنص على قوامة وولاية الرجل, منها:

قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى}[سورة يوسف:109].

وقوله تعالى:{{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}} { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [سورة النِّساء:34].

وقوله تعالى:{ وللرجال عليهن درجة}[سورة البقرة:228].

ومن السنة, عن أبي بكرة t أنّ رجلا من أهل فارس أتى النبي r فقال: ((لا يفلح قوم تملكهم امرأة)) (رواه الإمام أحمد من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة رضى الله تعالى عنه 5/43 ح (20455)، وأصله عند البخاري، بلفظ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً").

فالولاية العظمى, في الهرم السياسي, بجميع مجالاته, ليست المرأة أهلا لها. فمما أجمع عليه الفقهاء, منع ولايَة المرأة, وهذا ما ذكره الشوكاني في شرحه لحديث ولايَة المرأة. حيث ذكر أنّه فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب. ثم ذكر أنّ الجمهور قد اتفقوا على اشتراط الذكورة, حيثُ إنَّ القضاء يحتاج إلى الرأي، ورأي المرأة ناقص ولا كمال سيما في محافل الرجال. (انظر, نيل الأوطار). وعليه, فاقتضى هذا ألا تلي المرأة ولايَة ولا إمارة ولا قضاء. وأيّدت هذا النّص الصحيح السنة العمليَّة، فأخذ به جمهور أئمة الإسلام.(انظر, تفسير بن باديس). ثم بين بن باديس, السبب في عدم صلاح المرأة للولايَة: "من ناحية خلقتها النفسيَّة، فقد أعطيت من الرقة والعطف والرأفة ما أضعف فيها الحزم والصرامة اللازمين للولايَة. وفي اشتغالها بالولايَة إخلال بوظيفتها الطبيعيَّة الاجتماعيَّة التي لا يقوم مقامها فيها سواها وهي القيام على مملكة البيت، وتدبير شؤونه، وحفظ النِّسل، بالاعتناء بالحمل والولادة وتربية الأولاد". فالمساواة بين الجنسين في إنسانية, وفي الثواب والعقاب, لا يعني مساواتهما المطلقة, فلكل منهما مهام ووظائف تناسب طبيعته ونفسيته وخلقته.

وقد ذكر صاحب كتاب(ولاية المرأة في الفقه الإسلامي, حافظ محمد أنور), تلخيصا لمجمل ما يخص مفهوم الولاية وما يجوز أو لا يجوز في حق المرأة, ومنها:

- من ناحية الحسبة التي تطالب النسويات المرأة فيها, فمما يمكن قوله, يجوز لها أن تتولى أمر الحسبة فيما يتعلق بأمور النساء, وبعيدا عن مزاحمة الرجال والاختلاط معهم, في أماكن تخص النساء فقط. يجوز للمرأة أن تكون مفتية إذا توفرت فيها شروط المفتي، ولا محذور في ذلك وذلك باتفاق العلماء، لما ثبت من إفتاء أمهات المؤمنين ونساء الصحابة وغيرهن، ولكن يراعي في ذلك آداب الإسلام، حيث لا يحصل الاختلاط المحرم، والخلوة بأجنبي ونحو ذلك.

- لا يجوز خوض المرأة في السياسية ودخولها في مجلس لشورى أو البرلمان كعضوه من أعضاءه، لأنه الولايات العامة، فلا تكون عضواً لمجلس الشورى، أو مجلس البرلمان، ولا تنتخب لذلك. نعم لا يرد رأي المرأة ومشورتها لكونها أنثى، بل يؤخذ رأيها إذا كان صوابا، وللمرأة أن تقدم النصح والمشورة والرأي عن طريق ولي أمرها، أو بالكتابة أو نحو ذلك من وسائل الاتصال، دون أن تحضر مجالس الشورى أو تكون ركنا فيها.

- الولي شرط في صحة النكاح، ولا يجوز للمرأة أن تتولى نكاح نفسها أو غيرها بسبب من الأسباب، لا أصالة ولا نيابة ولا وكالة، لو باشرت العقد كان النكاح باطلا.

- للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تتولى مالها، وتتصرف فيه كما تشاء بعوض أو بغير عوض كبيع أو شراء، أو إجارة، أو قراض، أو تصدق أو هبة كله أو جزء منه، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك، ولا تحتاج إلى إذن أحد، سواء كانت بكر ذات أب، أو غير ذات أب، أو ذات زوج .

- ويجوز لها أن تكون وصية، فلها ولاية المال بالوصاية إذا توفر فيها شروط الوصي، سواء كانت أم الأطفال، أو أجنبية عنهم .

- النساء أحق بحضانة الطفل من الرجال، وهن الأصل في ذلك، لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار، وأصبر على تحمل المشاق في هذا المجال، وأن الأم أحق بحضانة ولدها - ذكرا كان أو أنثى - مالم تنكح وتوفرت فيها شروط الحاضنة باتفاق.

أ- يشترط في الحاضن: التكليف، والحرية، والعدالة، والإسلام، إذا كان المحضون مسلما، والقدرة على القيام بواجبات المحضون، وألا تكون متزوجة بأجنبي من المحضون، وإذا فقد شرط من الشروط وطرأ المانع كالجنون أو الزواج ونحو ذلك سقط حق الحضانة، ثم إذا زال المانع رجع الحاضن في حقه، ولكن الأولى مراعاة مصلحة المحضون، لأن حقه مقدم.

ب- مدة الحضانة إلى سن التمييز والاستغناء، أي تستمر الحضانة إلى أن يميز المحضون ويستغني، بمعنى أن يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك، وإذا بلغ هذا الحد انتهت مدة الحضانة ذكرا كان أو أنثى، وذلك سن سبع سنين أو ثمان سنين.

ومن هذا يتضح, أن الولاية لها مجالاتها الخاصة بالرجل, وتتعلق بطبيعته وجنسه, ودرجته التي أرادها الله له ليقوم بالدور المطلوب. وللمرأة أهليتها, وكرامتها, ومكانتها, ولا يعني عدم مزاولتها مهام الرجال احتقارها وتهميشها, بل إن الله لطيف خبير بما خلق يعلم ما هو الصالح له, فالمرأة لها وظيفتها ومهامها التي تناسبها وتناسب طبيعتها وخلقتها, ولا مجال لأدعياء المساواة من زج المرأة وإدخالها في عالم الولاية, والأهلية فيه الأصلح للرجل دون المرأة, والواقع يشهد بكفاءة الرجل في تلك المهام العظمى كالولاية العامة, وقوامته على المرأة, وولايته عليها.

   طباعة 
0 صوت
الولاية , النسوي , لتحديث , التجنيد , مفهوم
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي