طباعة اضافة للمفضلة
سِيرَةُ ذِي النُّورَينِ رَضيَ اللهُ عنهُ (1)
1268 زائر
12-03-2016
خطبة لفضيلة الشيخ خالد بن محمد القرعاوي

سِيرَةُ ذِي النُّورَينِ رَضيَ اللهُ عنهُ (1)


خطبة لفضيلة الشيخ خالد بن محمد القرعاوي

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ،حَمَى دِينَهُ بِرَسُولٍ أَمِينٍ،وَأَعْقَبَهُ بِخُلَفَاءَ رَاشِدِينَ مَهْدِيِّينَ،نَشْهَدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ،سُبْحَانَهُ أحْكَمُ الحَاكِمِينَ,نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ خَيْرَ القُلُوبِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ،وَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَةٍ خَالِدَةٍ إلى يَومِ الدِّينِ،نَشْهَدُ أَنَّهُ مُحَمَّدَاً رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ المُتَّقِينَ,صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ,خَيْرُ الْعِبَادِ،وأَكْمَلُهُم عُقُولاً,وَأَقْوَمُهُم دِينَاً,قَوْمٌ جَاهَدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ فَأَقَامَ بِهْمُ الدِّينَ وَأَظْهَرَهُمْ عَلَى العَالَمِينَ,وَعَلى التَّابِعِينَ لَهُم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ.أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ،فَلا نَجَاةَ لَنا إلاَّ بِتَقْوى اللهِ وَذَلِكَ بِفِعْلِ أَوَامِرِ رَبِّنا وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ. أَيُّها المُسلِمُونَ:الحَدِيثُ عن العُظَمَاءِ يُذكِي النُّفُوسَ,وَيُعْلِي الهِمَمِ,وَيَرْبِطُنَا بِتَأْرِيخٍ مَجِيدِ,وَحَدِيثُنَا عَنْ عَلَمٍ حَازَ المَجْدَ مِنْ أطْرَافِهِ!كَيفَ سَتَبْدَأُ بِسِيرَةِ رَجُلٍ يَمشِي على الأَرْضِ وَهُوَ قَدْ بُشِّرَ بالجَنَّةِ؟ بَلْ كَيفَ سَتَعِيشُ حَالَةَ مَنْ كَانَ صِهْرَاً لِرَسُولِ اللهِ وَزَوجَ ابْنَتَيْهِ؟سَطِّرْ يَا تَأْرِيخُ:أنَّ هَذَا الرَّجُلَ حَكَمَ المُسلِمينَ بالعَدْلِ والمِيزانِ اثْنَي عَشَرَ سَنَةٍ وَكَثُرَتْ فِي عَهْدِهِ الفُتُوحَاتِ،وَاتَّسَعَتْ دَوْلَةُ الإسلامِ،وَجَمَعَ اللهُ بِهِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيهِ النَّاسُ،كَفَاهُ شَرَفَاً وَسُؤْدَدَاً أنْ جَمَعَ القُرَآنَ الكَرِيمَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَشَرَهُ فِي كُلِّ الأَمْصَارِ!كَانَ رَابِعُ أَرْبَعَةً دَخَلُوا فِي الإسْلامِ،إنَّهُ أَمِيرُ البرَرَةِ وَقَتِيلُ الفَجَرَةِ،نَعَمْ إنَّهُ ذُو النُّورَينِ,وَصَاحِبُ الهِجْرَتَينِ,وَمَنْ اشتَرى الجَنَّةَ مَرَّتَينِ!الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ عُثْمَانُ الخَيرِ وَالحَيَاءِ,وَالصِّدْقِ وَالإِيمَانِ,وَالبَذْلِ وَالتَّضْحِيَةِ،إنَّهُ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرضَاهُ,أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَثَالِثُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.أيُّها المُؤْمِنُونَ:والحَدِيْثُ عَنْ عُثْمَانَ سَيَكُونَ عَبْرَ مَحَطَّاتٍ غَنَّاءَ.أوَّلُهاَ:يَلتَقِي نَسَبُهُ بِالنَّبِيِّ فِي عَبْدِ مَنَافٍ.وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ كُرَيزٍ عَمَّةُ رَسُولِ اللهِ ،وَقَدْ أَسْلَمَتْ رَحِمَهَا اللهُ فِي خِلافَةِ ابْنِهَا عُثْمَانَ,وَكَانَ مِمَّنْ حَمَلَهَا إِلى قَبْرِهَا،وَأَمَّا أَبُوهُ فَمَاتَ فِي الجَاهِلِيَّةِ.أَمَّا حَالَةُ عُثْمَانَ في الجَاهِلِيَّةِ:فَقَدْ كَانَ يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍ،هُوَ أَصْغَرُ مِنْ النَّبِيِّ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ،كَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ فِي قَوْمِهِ،فَهُوَ عَرِيضُ الجَاهِ,شَدِيدُ الحَيَاءِ، عَذْبُ الكَلِمَاتِ،لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ قَطُّ،قَالَ عَنْ نَفسِهِ: (مَا تَغَنَّيتُ،وَلا تَمَنَّيتُ،وَلا شَرِبْتُ خَمْرًا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسلامٍ،وَلا زَنَيتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسلامٍ).كَانَ مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ وَجْهًا، وَأَحْسَنُهُم شَكْلاً،مُعتَدِلَ القَامَةِ،كَبِيرَ اللِّحْيَةِ,حَسَنَ الثَّغْرِ.أَمَّا خَبَرُ إسْلامِهِ:فَقَدْ كَانَ على يَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَرْضَاهُ وَذَلِكَ حِينَ دَعَاهُ إِلى الإسْلامِ فَمَا تَرَدَّدَ وَلا تَلَكَّأَ,بَلْ كَانَ سَبَّاقًا لِمَنْ دَعَاهُ,فَرِحَ المُسلِمُونَ بِإسْلامِهِ وَتَوَثَّقَتْ بَينَهُمْ عُرَى المَحَبَّةِ وَالإيْمَانِ،كَانَ عُمْرُهُ حِينَئِذْ قَدْ نَاهَزَ الرَّابِعَةَ وَالثَّلاثِينَ.قَالَ ابنُ إسْحَاقَ رَحِمَهُ اللهُ:كَانَ إسْلامُ عُثْمَانَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ حَارَثَةَ.قَالَ عُثْمَانُ عَنْ نَفْسِهِ:إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الإسْلامِ.لَقَدْ عَذَّبَهُ عَمُّهُ الحَكَمُ بنُ أَبِي العَاصِ وَأَوْثَقَهُ رِبَاطَاً وَقَالَ:أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ آبَائِكَ إِلَى دِيْنٍ مُحْدَثٍ؟!وَاللهِ،لا أَحُلُّكَ أَبَدًا حَتَّى تَدَعَ مَا أَنْتَ عَلَيهِ،فَقَالَ:وَاللهِ،لا أَدَعُهُ أَبَدًا وَلا أُفَارِقُهُ.أَيُّها المُسْلِمُونَ:أمَّا قِصَّةُ زَوَاجِهِ مِن ابنَتَيْ رَسُولِ اللهِ فَعَجَبٌ عُجَابٌ!ذَلِكَ أَنَّ رُقَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها،قَدْ زَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ مِنْ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ،وَأُخْتُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها،قَدْ زَوَّجَهَا لِعُتْيبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ،فَلَمَّا نَزَلَتْ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ .قَالَ أَبُو لَهَبٍ لِوَلَدَيْهِ:فَارِقَا ابْنَتَي مُحَمَّدٍ،فَفَارَقَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخَلا بِهِمَا كَرَامَةً مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُمَا،فَمَا أنْ سَمِعَ عُثْمَانُ بِخَبَرِ طَلاقِ رُقَيَّةَ حَتَّى اسْتَطَارَ فَرَحًا،وَبَادَرَ بِخِطْبَتِهَا فَزَوَّجَهَا الرَّسُولُ الكَرِيمُ مِنْهُ،وَزَفَّتْهَا لَهُ أُمُّنَا خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها.فَكَانَتْ رُقَيَّةُ تُضَاهِيهِ قَسَامَةً وَجَمَالاً،أَحْسَنُ زَوْجَينِ رَآهُمَا إِنْسَانُ رُقَيَّةُ وَزَوْجُهَا عُثْمَانُ.ظَلَّتْ رُقَيَّةُ مَعَهُ حتَّى خَرَجَ المُسلِمُونَ لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى وَكَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَدْ أُصِيبَت بِمَرَضِ الحَصْبَةِ وَلَزِمَتِ فِرَاشَها،وَأَمَرَ الرَسُولُ عُثْمَانَ بِالبَقَاءِ إلى جَانِبِ رُقَيَّةَ لِتَمْرِيضِهَا،فَاشْتَدَّ بِهَا المَرَضُ،وَلَحِقَتْ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى،وَلَمْ تَرَ أَبَاهَا وَلَمْ يَشْهَدْ جَنَازَتَها وَدَفْنَهَا!فَلَمَّا قَفَلَ مِنْ بَدْرٍ مُنْتَصِرَاً عَلِمَ بِوَفَاةِ ابْنَتِهِ فَخَرَجَ إِلى البَقِيعِ وَوَقَفَ عَلى قَبْرِها يَدْعُو لَها بِالغُفْرَانِ.عِبَادَ اللهِ:لَقَدْ جَمَعَ اللهُ لِعُثْمَانَ مِنْ الفَضَائِلِ وَالمَكَارِمِ مَا جَعَلَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الإِسْلامِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعَاً،فَقَدْ زَوَّجَهُ رَسُولُ اللهِ ابْنَتَهُ الأخُرَى أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مُبَاشَرَةً وَقَالَ: (لَو كَانَ عِنْدَنَا أُخْرَى لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ).وَلِذَلِكَ قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:"إِنَّمَا سُمِّيَ عُثمَانُ ذَا النُّورَينِ لِأَنَّهُ لا نَعْلَمُ أَحَدًا أَغْلَقَ بَابَهُ عَلَى ابْنَتَيْ نَبِيٍّ غَيرَهُ".حَقَّاً: ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة:4]. فَاسْألوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ مِنْ فَضْلِهِ وَاستَغْفِروا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ,الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ,مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ,وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وإمَامِ المُرْسَلِينَ،وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ,وَأَصْحَابِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ,أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ،وَعَنَّا مَعَهُم بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.أمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يَامُؤمِنُونَ وَكُونُوا مِنْ أنْصَارِ دِينِ اللهِ تَعَالى فَاللهُ نَاصِرٌ مَنْ يَنْصُرُهُ: وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].فَمِنْ مَحَطَّاتِ سِيرَةِ عُثْمَانَ أَنْ تَعْلَمَ الأُمَّةُ أنَّهُ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلى أَرْضِ الحَبَشَةِ مَرَّتَينِ,وَمَعَهُ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ ،فِرَارَاً بِدِينِهِمْ!فَكَانَ لَهُمْ مِنْ التَّكْرِيمُ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ! وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون [النحل:41].مِنْ أبْرَزِ مَحَطَّاتِ عَلَمِنَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ تَدَثَّرَ بِخُلُقِ الحَيَاءِ!وكُلُّكُمُ يَعلَمُ يَارَعَاكُمُ اللهُ أنَّ الحَيَاءَ لا يَأتِي إلاَّ بِخَيرٍ!فَكَلامُهُ عَذْبٌ,وَتَوجِيهُهُ رَفِيقٌ,وَنُصْحُهُ إشْفَاقٌ,وَعَقْلُهُ مَصُونٌ.ألا تَعْلَمُونَ أنَّ مَلائِكَةِ الرَّحمَنِ تَسْتَحِي مِنْ عُثْمَانَ استَمِعُوا إلى أُمِّنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنْها تَقُولُ:كَانَ رَسُولُ الله مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ الله وَسَوَّى ثِيَابَهُ فَتَحَدَّثَ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يا رَسُولَ اللهِ:دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ أي لَمْ تُغَيِّرْ جَلْسَتَكَ وَلَمْ تُبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ كَذلِكَ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ:«أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ».رَوَاهُ مُسلِمٌ.فَما أحوَجَنا يامُؤمِنُونَ إلى تَذْكِيَةِ الحَيَاءِ في أَرْواحِنا وَأَرْوَاحِ شَبَابِنَا وَفَتَياتِنَا وَنَحنُ جَمِيعَاً نَرى شَبَابَاً انسَلَخُوا مِنْ خُلُقِ الحَياءِ عَبْرَ أَلْبِسَتِهِمْ وَأشْكَالِهِمْ وَتَخَنُّثَاتِهِم حتى أصابَتْهُم لَعْنَةُ رَسُولِ اللهِ القَائِلِ: (لَعَنَ اللهُ الْمُتَخَنِّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ,وَالْمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ).فَقَدْ بِتْنَا نَسْمَعُ مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُم لا تَنْزَجِرُ إلاَّ بِأحكَامٍ قَضَائِيَّةٍ! أَينَ الحَيَاءُ مِنْ امْرَأةٍ تَخْرُجُ كَاشِفَةً عَيْنَيهَا وَوجْنَتَيْها بِأَبْهَى صُورَةٍ وَأَحْسَنِ حُلَّةٍ لَيسَ أَمَامَ نِسَاءٍ مِن جِنْسِها,بَلْ فِي الأَسْوَاقِ وَالمُتَنَزَّهَاتِ والأَمَاكِنِ العَامَّةِ.ألا نَسْتَحِي يا مُؤمِنونَ؟!عِبَادَ اللهِ: أَتَدْرُونَ أنَّ ذَا النُّورَينِ قَدْ بَشَّرَهُ نَبِيُّنا بِالجَنَّةِ وَرَيَاحِينِها وَبَسَاتِينِهَا!اللهُ أكبَرُ أَيُّ كَرامَةٍ أنْ تَرى مَنْ يَمشِيْ على الأرضِ وَهُوَ مِن أَهْلِ الجَنَّةِ جَعَلَنا اللهُ وَوالِدِينَا وَذَرَارِينَا والمُسلِمينَ مِنْ أهلِها. في المُتَّفَقِ عليهِ,عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ الله فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ يَرْكُزُ بِعُودٍ مَعَهُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ إِذِ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ:«افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ».فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ,ثُمَّ اسْتَفْتَحَ آخَرُ فَقَالَ:«افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَإِذَا هُوَ عُمَرُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ فَجَلَسَ النَّبِيُّ فَقَالَ:«افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ».فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْتُ لَهُ الَّذِي قَالَ الرَّسُولُ: فَقَالَ:اللَّهُمَّ صَبْرًا,اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.أيُّ بِشَارَةٍ وَكَرَامَةٍ لِهَؤلاءِ الكِرامِ,رِضْوانُ اللهِ عَليهِم أجمَعِينَ. لا تَسْتَغْرِبُ يا مُؤمِنُ ذَلِكَ فَهُوَ أحَدُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بالجَنَّةِ قالَ : (وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ). أتَدْرُونَ يَاكِرامُ:أنَّهُ اشْتَرَى الجَنَّةَ مَرَّتَينِ،وَفَازَ بالرِّبحِ العَظِيمِ!سُبْحَانَ اللهِ ما هَذا الثَّرَاءُ وَالغِنَى؟ وَهَلْ لِلْجَنَّةِ ثَمَنٌ؟نَعَمْ فَلَعَلَّنا أَنْ نَحْذُوَ حَذْوَهُم.لَمَّا استَقَرَّ وَأَصْحَابُهُ فِي المَدِينَةِ نَالَهُمُ العَنَاءُ مِنْ قِلَّةِ المَاءِ العَذْبِ،وَكَانَتْ هُنَاكَ عَينٌ عَذْبَةٌ يَمْلِكُهَا يَهُودِيٌّ تدعَى بِئْرَ رُومَةَ،فَقَالَ : (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ ولَهُ الْجَنَّةُ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ). عِبَادَ اللهِ:أتَعْلَمُونَ خَبَرَ جَيشِ العُسْرَةِ؟حِينَ عَزَمَ هِرَقْلٌ عَلَى غَزْوِ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِلْهِجْرَةِ,والمُسْلِمَونَ يُعَانُونَ مِن قَحْطٍ,وَحَرَارَةِ شَمْسٍ,وَبُعْدِ مَشَقَّةٍ وَطَرِيقِ!وَجَيْشٌ إسْلامِيٌ كَبِيرٌ يَحْتَاجُ إلى مَالٍ وَعَتَادٍ،فَامْتَدَّتْ أَيْدِ النَّاسِ بِالتَّبَرُّعَاتِ!إلاَّ أنَّها لَمْ تُغْنِ شَيئَاً مِنْ حَاجَةِ الجَيْشِ!فَأطْلَقَ رَسُولُ الله نِدَائَهُ وَقَالَ: (مَنْ يُجَهِّزُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ وَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ).وَقَدَّمَ قُرَابَةَ أَلْفَ بَعِيرٍ بِأَحْمَالِها فَيَتَهَلَّلُ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ وَيَقُولُ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانُ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ،الَّلهُمَّ ارْضَ عَنْ عُثْمَانَ فِإنِّي عَنْهُ رَاضٍ).حَقَّاً نِعْمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ. يا مُؤمِنُونَ تَأَمَّلُوا قَولَ اللهِ تَعَالَى: وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل:20].فاللهمَّ أعطِنَا ولا تَحْرِمْنَا وَزِدْنَا ولا تَنْقُصْنا ياربَّ العالمِينَ.اللهمَّ لا تَجعَلِ الدُّنيا أكبرَ هَمِّنا ولا مَبْلَغَ عِلمِنا ولا إلى النَّار مَصيرَنا واغفر لَنا ولِوالِدينا وللمسلمينَ.وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

   طباعة 
0 صوت
ذِي , سِيرَةُ , اللهُ , النُّورَينِ , عنهُ , رَضيَ
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي