طباعة اضافة للمفضلة
الرجولة
1907 زائر
01-12-2013
الشيخ عبدالمحسن القاضي

الرجولة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}

جلس عمر - رضي الله عنه - إلى جماعةٍ من أصحابهِ فقالَ لهم: تمنوا ؛ فقالَ أحدُّهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءَةٌ ذهباً أنفقهُ في سبيلِ الله. ثم قالَ عُمر: تمنوا فاستمروا يتمنون للإنفاق في سبيل الله حتى قال عمر - رضي الله عنه - : ولكني أتمنى رِجَالاً مِثلَ أبي عبيدةَ بنِ الجراحِ، ومُعاذِ بنِ جبلٍ وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأَستعينُ بِهم على إِعلاءِ كَلمَةِ اللهِ.رحمَ الله عمر المُلْهَم، لقد كان خَبيراً بما تقومُ به الحضارات ، وتنهضُ بهِ الرِسَالاتُ ، وتحيا بِهِ الأُمَمُ الهامدة قبلَ الثروات و المعادن..فهي تَحتاجُ قَبلَ ذَلكَ إلى الرؤوسِ المفَكِرَةِ التي تَسْتَغِلُهَا، والقلوبُ الكبيرةُ التي ترعاها والعَزائِمُ القويةُ التي تُنفِذُها: باختصارٍ إنَّها تَحتاجُ إلى الرجالِ.

أيُّها المسلمون..لرجل أَعز من كلِّ معدنٍ نفيس، من كُلِّ جوهرٍ ثمين، ولذلكَ كان وجودُهُ عزيزاً في دنيا الناس، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)) رواه البخاري.

الرجلُ الكفء الصالح عِمادُ الرِسالاتِ، وروحُ النهضاتِ،و ومِحورُ الإصلاح. أعدَّ ما شئتَ من معاملِ السلاحِ والذخيرةِ، فلن تَقتُلَ الأَسلحةُ إلا بالرجل المحُاربِ وضع ما شِئتَ من مناهجٍ للتعليمِ والتربيةِ فلن يقومَ المنهجُ إلا بالرجلِ الذي يقوم بتدريسهِ، ولن تُنجِزَ مَشروعَاً إذا حُرمتَ الرَجُلَ الغيور!!السَالم من الفسادِ في عَقلِهِ و مالهِ العام ..

فالقوةَ ليست بِحدِ السلاحِ بقدرِ ما هي في قلبِ الجنديِّ، والتربيةُ ليست في صفحاتِ الكتابِ بقدرِ ما هي في رُوحِ المعلم، وإنجازِ المشروعاتِ ليسَ في تكوينِ اللجانِ بقدرِ ما هو في حماسةِ و إخلاصِ و نَزاهَةِ القائمينَ عليها.

معاشر المسلمين : رجل ذو همة يحيي أمة. يُعدُّ بألفِ من رجالِ زمانهِ لكنَّه في الألمعيِّةِ واحدُ حاصر خالد بن الوليد - رضي الله عنه - ( الحيرة ) فطلبَ من أبي بَكرٍ مِدداً، فما أمده إلا بِرَجُلٍ واحد هو القعقاعُ بن عمرو التميمي وقال: لا يُهزمُ جيشٌ فيهِ مِثله، وكان يقول: لصوتُ القَعقَاعِ في الجيشِ خيرٌ من ألفِ مُقاتل!

ولما طلب عمرو بن العاص - رضي الله عنه - المددَ من أميرِ المؤمنينَ في فتحِ مِصرَ كتبَ إليهِ : (أما بعد : فإنِّي أَمددتُكَ بأَربَعَةِ رِجَالٍ : رَجلٌٌ مِنهم مقامَ الألف – كأنهم أربعةِ آلافِ رجل-: فأرسل الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعُبادة بن الصامت، ومَسلَمةُ بن مخلد) رضي الله عنهم

و كان - صلى الله عليه وسلم - يَتَطلعُ إلى الرُجُولَةِ التي تناصرهُ وتَعتَزُ بِها دعوتُه، ويَسأَلهُا ربَه فيقول: ((اللهُمَ أعِزَ الإسلامَ بَأحبِ هذينِ الرجُلينِ إليك،بعمرو بن هشام أو بعمرَ بن الخطاب))، قال الراوي وكان أحبهما إليه عمر. أخرجه الترمذي .. ولما أسلم عمر استعزّ الإسلام..

مَعاشِر المسلمينَ، هذه الرجولة ولكن ما الرجلُ الذي نريد ؟ هل هو كل من طَرَّ شاربه، ونَبتت لحيته من بني الإنسان؟ إذن فما أكثرُ الرجالِ! فالرجولةَ ليست بالسنِ المتقدمةِ..وكم من غلامٍ في مقتبلِ العمرِ، ولكنكَ ترى الرجولةَ المبكرةَ في قولهِ وعَملهِ وتَفكيرهِ وخُلقه.

مر عمر - رضي الله عنه - على ثُلةٍ من الصبيانِ يلعبونَ فهرولوا، وبقي عبد الله بن الزبير، فسألهُ عُمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟ فقال: يا أَميرَ المؤمنينَ لم أقترف ذنباً فأخافك، ولم تَكن الطريقُ ضَيقةً فأوسعها لك!ودَخلَ غُلامٌ عربيٌّ على خليفةٍ أموي يتحدث باسم قومه، فقال له: ليتقدم من هو أسن منك، فقال: يا أميرَ المؤمنينَ، لو كان التَقدُمِ بالسِنِ لكانَ في الأُمةِ من هو أولى منك بالخلافة.أولئك لعمري هم الصغارُ الكبار، وفي دنيانا ما أَكثر الكبارَ الصغار؟ وليست الرجولة ببسطة الجسم، وطولِ القامة، وقوةِ البنية وفي الحديث الصحيح: (( يأتي الرجلُ العظيم السَمينُ يوم القيامةِ فلا يزنُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضة))، اقرءوا إن شئتم قوله تعالى: )فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً(

وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - نحيفاً نحيلاً، فانكشفت ساقاه يوماً - وهما دقيقتان هزيلتان - فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد)).

الرجولةُ قوةٌ نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعدهُ عن سَفَسِافها، قوةٌ تجعلهُ كبيراً في صغرهِ، غنياً في فقره، قوياً في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبلَ أن يأخذ، وأن يؤدي واجبهَ قبل أن يَطلبَ حقه: يعرفُ واجبه نحو نفسهِ، ونحو ربهِ، ونحو بيتهِ، وِدينه وأمتهِ..الرجولةُ بإيجازٍ هي قوةُ الخُلُق وخُلُق القوة.

أيُّها الشباب .. الرجولةُ مطلبٌ يسعى للتجمل بِخصائِصها أصحابُ الهمم، ويسمو بِمعانيها الرجالُ الجادونَ، وهي صِفةٌ أساسيةٌ، فالناسُ إذا فَقدوا أَخلاقَ الرُجُوَلةِ صاروا أشباهَ الرجالِ، غِثاءً كَغثاءِ السيل. الرجولة تُرسَّخ بِعقيدةٍ قوية، وتُهذَّب بِتَربيةٍ صَحيحة، وتُنمَّى بقدوةٍ حَسنة. ميزانُ الرُجُولةِ عند عَامةِ الناسِ هو مِيزانٌ ماديٌ فقط، فمنَ كان جميلَ المظهرِ مكتملَ القوى كثيرَ المالِ فهو الرجُلُ الطيب. ولكن ميزانُ الرِجِالِ في شريعةِ الإسلامِ مَن كانت أعمالهُ فاضلة، وأخلاقُهُ حسنة، مَرَّ رجلٌ من الأغنياءِ على الصحابة فقال- صلى الله عليه وسلم - : ((ما تقولونَ في هذا؟)) قالوا: حَريٌ إن خطبَ أن يُنكح، وإن شَفعَ أن يُشفَّع، وإن قالَ أن يُستمع قال: ثم سَكَتَ، فَمَرَ رجلٌ مِن فُقَراءِ المسلمينَ فقالَ: ((ما تقولونَ في هذا؟)) قالوا: حريٌ إن خطب أن لا يُنكح، وإن شَفِعَ ألا يُشفَّع، وإن قالَ أن لاَّ يُسمع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا خيرٌ مِن ملءِ الأرضِ مِثلَ هذا)) أخرجه البخاري

إن خيرَ ما تقومُ بِهِ دولةٌ لشَعبِهَا، وأَعظَمَ ما يَقومُ عليهِ مَنهجٌ تَعليمي، وأَفضلَ ما تتعاونُ عليهِ أدواتُ التوجيهِ كُلَّها من صحافةٍ وإذاعةٍ وقناة،ومسجدٍ ومدرسةٍ، هو صِناعةُ هذهِ الرجولة، وتربيةُ هذا الطرازِ من الرجال.

ولن تَتَرعرعُ الرُجُولةُ الفارِعَةُ، ويَتَربى الرِجِالُ الصالحونَ، إلا في ظلالِ العَقائِدِ الراسِخَةِ والفَضَائِل الثَابتةِ،والمعاييَّر الأصيلةِ، والتقاليدِ المرعيةِ،والحقُوقِ المكفولةِ..أما في ظلامِ الشَكِ المحطم، والإلحادِ الكَافِرِ الانحلال السَافِر، والحِرمانِ القَاتِل، فلن تُوجَد رجولةٌ صَحيحة، كما لا ينمو الغرسُ إذا حُرِمَ الماءَ والهواءَ والضِياءَ.

ولم ترَ الدُّنيا الرُجولةَ في أَجلى صُورِها وأَكمَلِ مَعانِيهَا كَما رأَتها في تِلكَ النماذجِ الكريمةِ التي صَنعهَا الإسلامُ على يدِ رسولهِ العظيم - صلى الله عليه وسلم - أما اليومَ، وقد أفسدَ التغريبُ جَوَ المسلمينَ بغازاتِهِ السامةِ الخَانقَةِ من شُذوذٍ وإِباحيةٍ، فقلما تَرى إلا أَشباهَ الرِجالِ، ولا رِجال.

أيها الأحبة .. تُعجِبُنا وتُؤلمنا كلمةُ غيرُ مسلِمٍ درسَ تعاليمَ الإسلامِ السَمحةِ الشَامِلةِ فقالَ في إعجابٍ مرير: " يا له من دين لو كان له رجال "!!وهذا الدينُ الذي يشكو قِلةَ الرِجالِ يضُمُ ما يزيدُ على ألفِ مليارِ مُسلم، ينتسبونَ إليهِ، ويُحسَبونَ عليه، ولكنَهُم (غثاءٌ كغثاء السيل))

فماذا يغني عن الإسلامِ رِجالٌ أَهمتُهُم أَنفُسُهُم، وحِكمَتُهُم شَهواتُهم، وسيرتُهم مصالحُهُم، فلا وثقوا بأَنفُسِهم، ولا اعتمدوا على ربِهم،رجالٌ يَجمَعُهُم الطَمع، ويُفرقُهم الخوف.

إنَّ الرجلَ الواحدَ قد يُنقذُ الموقفَ بِمُفرَدهِ بما حباهُ اللهُ مِن الخَصَائِصِ الإيمانيةِ والمواقفِ الرجُولِّيةِ التي يعملها بِمفردهِ، وفي القرآن الكريمِ في قصة موسى )وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـٰنَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ مِن رَّبّكُمْ( فالرجولة صدعٌ بالحق و تحذيرٌ من المخالفة و صمود أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات إنهم : )رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ يَخَـٰفُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَـٰرُ(

الرجلُ الحقُ يصدقُ في عَهدهِ، ويِفي بِوعدهِ، ويَثبُتُ على الطريقِ: )مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً(

فليس من الرُجُولةِ ـ عِبادَ اللهِ ـ أن يكونَ الشابُّ كالإِمعةِ إن أَحسنَ الناسُ أحسن وإن أساؤوا أساء، وإذا ولغ أصحابُه في مُستنقَعَاتِ السوءِ جرى في رِكَابِهم لكي يكون رَجُلاً كما يزعمون. هل من معالم الرجولة الحقة أن تكون غاية مراد الشاب شهوة قريبة، ولذة محرمة في ليلة عابثة بلا رقيب ولا حسيب يمقتهم الرحمن ؟!أين هذا من رجل قلبه مُعلق بالمساجد؟و رجل دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله؟! ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؟! ورجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه؟! هؤلاء يدنيهم الرحمن ، ويُظِلُهُم في ظلِ عَرشِهِ يومَ لا ظِلَ إلا ظِله..الرجولة في العفو للإصلاح و ليست في الانتقام ..في الصدق و الوفاء ..و ليست في الغش و الخداع ..

قلم الأديب المسلم تام الرجولة، شعْرٌ يهذب الأخلاق، ويسمو بالمعاني، وينبذ الإسفاف وروايات تحكي قصص الخيرين من الأسلاف، وحوارات ترفع طموحات الأمة، وتحقق جليل الأهداف، أدبٌ لا ميوعة فيه ولا تخنّث، وقد ابتليت الأمة في أعقاب الزمن في بعض نواحيها بأدب لا يمتّ إلى الرجولة بصلة، ألفاظ خانعة، وترانيم ساقطة و رواياتٍ فضائحيةٍ بائسة إن شر ما تُصاب به الحياة هو الخروج على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وذلك بتميع الرجال و استرجال النساء ، أين الرجولة فيمن يتمايل في حركاته، ويطيل شعره، ويضع القلادة على رقبته، ويتأطّر في مشيته، بل قد يرقص كما ترقص النساء هو حال بعض الذكور ؟! وهي سلوكياتٌ تنذر بالشر و الفساد ؛ لأنها تحكي مسخًا وانحرافًا عن الفطرة، وانهزامية وانحطاطًا على حساب أخلاق الأمة، ولهذا لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال كما [أخرجه البخاري] ولعن - صلى الله عليه وسلم -المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: ((أخرجوهم من بيوتكم)) [أخرجه البخاري ] ولا ينبغي أن يتمنى الرجل أن يكون امرأة، ولا المرأة أن تكون رجلا : ) ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض (

و حين تضمر خصائص الرجولة بجناية الرجال أنفسهم يحل بالمجتمع العطب، وبالبيت الضياع، وبالأمة الضعف والهوان، تضيع القوامة، وتضعف الغيرة، فتتسع رقعة الفساد الخلقي.

)ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ(

فالرجولة قوامة على النساء، ومن لا يملك هذه القوامة ويرضى بأن تكون المرأَةُ قوَّامةً عليه حاكمة له تنحرف وتتبرج وتفعل ما تمليه عليها أهواؤها فهو لا يستحق وصف الرجولة ..

ولا يقدح في رجولته أن يعينَ أهله، فعائشة رضي الله عنها قالت: ((كان - صلى الله عليه وسلم - في مهنة أهله يشيل هذا ويحط هذا يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته))ولا يقدح في رجولته أن يلاطفهن ويمازحهن، تقول عائشة رضي الله عنها: سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته، فلما سمنت، سبقني، فقال: ((هذه بتلك)) رواه أبو داوود و النسائي ..

وبالجملة فإنَّ الرجولةَ ضرورةٌ يجب أن تتحقق في الذكور جميعهم، فإذا بمصطلح الرجولة اليوم لا يرد في صحفنا و مجالسنا إلا في مقابلته مع العجز عن النكاح فهو عند البعض فحولة و عضلات ، فلا تراه يرد بمعانيه المتميزة إلا لماما...

إنَّ لدينا اليوم إخوتي أزمة رجولة حقيقية، فبعد أن كان نقص الرجولة شيئا كالموت أصبحت ترى النقص هو الغالب على أكثر الرجال، ففي عصر الحضارة و التقنية و تحوَّل العالم إلى قرية صغيرة،ارتقى الناس في عالم المادة، وانحطوا في عالم الأخلاق والقيم، صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الحضيض، وهمهم حول شهواتهم وأهوائهم، ورثوا المسلمون من الغرب مساوئ الأخلاق وهذه قنوات الغناء و العري شاهدة فلا للمدنية والحضارة أدركوا ولا لأخلاقهم ورجولتهم أبقوا، فاندثرت الأخلاق والشيم مع عالم المادة، وصرت بحاجة إلى أن تذكر الكثير من الرجال بسمات الرجولة، وتطالب الشباب أن يكونوا رجالا لا صغارا، بل بأن يكونوا ذكورا لا إناثا، فترى بعضهم يجتهد في محو معالم الرجولة حتى من وجهه وكأنه يمحو العار عنه فلا تفرق بينه وبين الأنثى إلا بعسر, إن اللباس وقصة الشعر وطريقة التحدّث كلّها لها تأثير على النفس، فلباس الرجولة يورث في النفس الرجولة، ولباس الميوعة والفسولة يهدم النفس ويورث الضعف

عباد الله إنّ مما يعاني منه كثير من الناس ظهور الميوعة وآثار التّرف في شخصيات أولادهم..حتى أننا بتنا نرى أشكالاً للميوعة و فقد الرجولة تُستَغْربُ على شبابنا من ملابس و ومظاهر .. يضع بعضهم القلادات و الأساور و مساحيق التجميل على و جوههم و طريقة ترتيب شعورهم و كلها تشبه بالنساء عبر ظواهر مقلدة تعاني منها وزارة الداخلية و الهيئات في مواجهتها و كثرة رواجها بين الشباب ولمعرفة حلِّ هذه المشكلة وتداركِ الأجيال لابد أن نعرف كيف ننمي عوامل الرّجولة في شخصيات أولادنا؟

فمن أسباب الرجولة أخذه للمجامع العامة وإجلاسُه مع الكبار؛وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، و كان الصحابة رضي الله عنهم يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ )) رواه النسائي ..

ومما ينمي الرجولة: تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات المسلمين؛ لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، وكان للزبير بن العوام - رضي الله عنه -طفلان يحضرهما بعضَ المعارك .

ومما ينمي الرجولة: تعليمه الأدب مع الكبار،ومن جملة ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ: يُسلِّمُ الصَّغِيرُ على الكبِير رواه البخاري

ومما ينمي الرجولة : إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس،¬ روي في الحديث: عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ : يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟ قَال: ((مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ)) رواه البخاري.

ومما ينمي الرجولة: تعليمهم الرياضات الرجولية؛كالرماية والسباحة وركوب الخيل كما كان يوصي عمر - رضي الله عنه - و عدم الإسراف في أجهزة الألعاب البصرية التي تنقص أخلاقهم ولا تقوي أجسامهم .

ومما ينمي الرجولة : تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث؛¬ فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من لبس الحرير والذّهب ونحو ذلك مما يخص النساء ..و الله المستعان اليوم من ضعف كثير من الأولياء تجاه أولادهم الذين يمارسون مثل هذه الممارسات واسألوا الهيئات و المدارس عن معاناتهم مع ضعف الأولياء .

ومما ينمي الرجولة: تجنب إهانته خاصة أمام الآخرين وعدم احتقار أفكاره وتشجيعه على المشاركة إعطاؤه قدره وإشعاره بأهميته، وذلك يكون بأمور

مثل استشارته وأخذ رأيه و توليته مسئوليات تناسب سنّه وقدراته كالنفقة البسيطة على المنزل وكذلك استكتامه الأسرار ،¬ ويصلح مثالاً لذلك حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه -قَالَ : أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ : فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ : مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه لِحَاجَةٍ . قَالَتْ : مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ : إِنَّهَا سِرٌّ . قَالَتْ : لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا ". رواه مسلم.¬

¬ و من وسائل تنمية الرجولة أن تضع لابنك أو بنتك كنية تكنيهم بها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل (يا أبا عمير ما فعل النغير) و كنى عليه الصلاة و السلام بنتاً كما في البخاري بأم خالد و غير ذلك ))

وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال منها :

• تعليمه الجرأة في مواضعها ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة .

• الاهتمام باختيار ملابسه المناسبة للرجال و التنبه لمظهره و مشيه .

• إبعاده عن التّرف وحياة الكسل والبطالة يقول عمر - رضي الله عنه -: (اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم).

• تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ

¬ هذه طائفة من الوسائل والسّبل التي تزيد الرّجولة وتنميها في نفوس الأطفال ما أحوجنا لمعرفتها ثم تعليمها لأولادنا ..

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ شبابنا من كل مكروه و سوء ..و يجعلهم هداةً مهتدين صالحين مصلحين غير ضالين و لا مضلين و لا خزايا أو نادمين .. أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

   طباعة 
1 صوت
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي