طباعة اضافة للمفضلة
أمسية في مركز المشير
1868 زائر
23-06-2013
عبدالرحمن الصالح الفنيخ

((أمسية في مركز المشير))

في ليلة الإثنين الموافق للسابع من شهر شعبان للعام الرابع والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم كانت جلستي الأولى مع ذلك الرجل العظيم صاحب الخلق النبيل ، جئت في بداية الجمع المبارك ، فإذا يتوسطهم شيخ مسن تعلو وجهه ابتسامة ساحرة ـ أظنها من نوع ابتسامة الشيخ ابن سعدي المعهودة لمن أدركها- قام واقفا وسلم علي -وهو لا يعرفني - سلاما يدل على نبل أخلاقه ، عنوان اللقاء ( آفاق العمل الخيري ) ، بدأ حديثه بداية مستغربة بالتحذير عن الإسراف وخاصة في الماء ! ثم زال عجبي بعد حديثه عن تلك المناظر التي شاهدها لكثير من فقراء المسلمين ، فاستطرد بتناول آفاق العمل التطوعي ، معتذرا لنفسه أنه سيذكر بعض أعماله التي ينبغي ألا يذكرها ، ولكن حب الخير للغير يتطلب ذلك..

ثم لك أن تتعجب من هذه الطاقة والنشاط المسخر في سبيل التطوع ، يقول عن نفسه:

خرجت من عنيزة محمولا بين يدي أمي على بعير باتجاه مكة ولم أبلغها إلا بعد قرابة الشهر ..

نشأت هناك وتوجهت للتجارة ففتح الله علي فتحا عظيما ، وفي سنة ١٤٠٠للهجرة جئت زائرا إلى عنيزة ونعم المجيء كان ! لقد وجدت أنفسا طاهرة ، وهمما عالية ، ووجوها بالخير ناضرة ، وحينها جائني ولم آت إليه ! وبادرني ولم أطلبه ! بل هو محض توفيق من الله تبارك وتعالى ، إنه العمل الخيري والتطوعي ، فقد نشأت تلك الفكرة هناك ، ترعرعرت في تلك البلدة ، وحينئذ تغير التوجه والاهتمام ، لا سيما مع وجود صحبة أخيار كانوا خير معين على ذلك ، فلم ولن أنسى تلك الليالي والأيام التي مدوا لي فيها يد العون بعد الله عزوجل ، ومنهم الشيخ علي بن محمد الزامل والشيخ عبدالعزيز بن علي المساعد والشيخ سليمان الجناحي والشيخ صالح السحيباني وعلى رأسهم والدنا وشيخنا محمد الصالح العثيمين وغيرهم ، فلقد كنت على تواصل معهم طيلة تلك المدة وحتى وافتهم المنية فرحمهم الله وجزاهم عنا كل خير ، ..

وأما الفرق الذي وجده هذا الشيخ الفاضل بين حياته الأولى والثانية ، فهو فرق روحي بدا واضحا في محياه وإشراقة وجهه ، بدا واضحا في سروره وطمأنينة قلبه ، وقد صدق الصادق المصدوق ( الصدقة برهان ) .

لقد كان اللقاء حافلا بالمواقف والعبر ، وقد علا وجوه الحاضرين الخشوع ، وانسابت من بعضهم الدموع ، كيف لا والحديث عن هذه الأعمال الصالحة التي تنبض بالرحمة والعطف على إخوة لنا مسلمين لم يجدوا ما يسدوا به رمق أطفالهم ونسائهم ، في وقت فاضت به نعم الله علينا وغفلنا عنهم .

ومن عجيب مواقفه -وفقه الله- :

ما ذكره من مشاهد الفقر العجيب في كثير من البلدان الإسلامية ، ففي بنقلادش مثلا يتناوب أربع أسر على آلة (الركشة) وهي آلة شبيهة بالسيكل يتناوبون عليها بحيث يعمل كل رب أسرة خمس ساعات بجد واجتهاد كي يحصل على أجرة يأكل منها وأولاده التسعة!! وتكلفة هذه الآلة لا تتجاوز السبعمائة ريال !!

اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك ، مثنين بها عليك .

ويقول -أمد الله بعمره على طاعته- : شاهدت امرأة مسلمة تحمل ولدها على ظهرها وقد تركت بيتها وأجَّرت نفسها لتحمل الطوب وتصعد به إلى أعلى تلك المنازل يوما كاملا ! لتحصل على بعض الكراء الذي تطعم به الأبناء!!

عِبَرٌ تتوالى ، وقصص تتتالى ، والآذان مصغية والأفئدة واعية حامدة شاكرة .

فإذا بسؤال يرد من محب عن حبيبه ، وحُق للمُحب هذا الحب!

ياشيخ : نمى. إلى علمنا شدة صلتك بالشيخ محمد بن عثيمين ، فهلاّ حدثتنا عن أعمالك الخيرية معه في خارج المملكة ؟

وللإجابة انتقل اللاقط للشيخ ، وكنا ننتظر الرد ، فإذا بِعَبَرات الشيخ تدافع عباراته ، وبعد سكوت لطيف أبكى بعض الحاضرين .. تحدث الشيخ بصوت متقطع قائلا : لقد قال لي الشيخ محمد بالحرف الواحد وها أنا أجهر بذلك لكم : ( إني لا أحلك ياصالح أن تُحدث أحدا عن الأعمال التي بيني وبينك لافي حياتي ولابعد مماتي ) !!

حينها أطبق السكوت على ذلك المجلس ، وانسابت الدموع ، وتحشرجت الصدور ، وترحم الجميع على ذلك العالم العامل .

ثم بعد ذلك أكمل الضيف الحديث وبصعوبة قائلا : وأبشركم أنه لا يمضي أربعة أو ستة أشهر إلا وأرى الشيخ محمدا في المنام ..

كانت هذه الليلة مليئة بالعبر والفوائد وشحذ الهمم ، وكفيلة بلزوم الدعاء الصادق والذكر الحسن للوالد الشيخ : صالح بن إبراهيم الزامل بأن يمد الله له في عمره على طاعته ، وأن يتقبل منه صالح الأعمال ، وأن يجزيه عنا وعن المسلمين خيرا . آمين

كتبت هذه الذكريات لنفسي ، ليبقى هذا الذكر الجميل وهذه المواقف النبيلة مثالا أقتدي به وأعلمه غيري ..

كانت هذه الليلة المباركة نتاج فكرة سامية من الشيخ / أحمد بن عبدالرحمن القاضي ، وضيافة كريمة من الأستاذ / سامي بن صالح الغرير ، فجزاهما الله عنا خيرا .

إن تجد عيبا فسد الخللا

جَلَّ من لا عيب فيه وعلا

كتبه : عبدالرحمن الصالح الفنيخ .

عنيزة

   طباعة 
1 صوت
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
  أدخل الكود
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
جديد المواد
رسالة إلى إمام التراويح - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى صائم - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى خطيب - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى إمام - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
رسالة إلى زوج - بقلم المشرف العام أ.د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي